عبقرية الرمز القبطى - بحث فى جذوره المصرية
إن الجانب الفكرى والفلسفى لتطور الرمز عند المسيحيين بشكل عام هو جانب مرتبط قبل كل شىء بالعقيدة المسيحية فالفكر ليس مجرداً والفلسفة ليست منعزلة ..حتى وإن حاولت أن تشمل كافة أمور الحياة فهى فى ذلك كانت تهدف إلى أن يسلك الفرد المؤمن حياته من خلال العقيدة وذلك فى ظل ازدهار النشاط الفلسفى فى الشرق فى القرون الميلادية الأولى ولاسيما فى مصر..تماماً كما كان يحدث عند المصرى القديم وهو ما يعد استمراراً واضحاً لصفات الشخصية المصرية.
أما فيما يخص العقيدة وهى تمثل الزاوية الثانية فى مثلث (الرمز - العقيدة - الفن)..كان من اللازم الرجوع للوراء أكثر من ذلك لتتبع أصول الفكر والفلسفة الرمزية فى العقيدة المسيحية للكنيسة الشرقية..وإن بدت الأمور وكأنها تتشعب ..إلا أنه كلما ازداد التعمق التاريخى والفكرى كلما ازداد معه فهمنا لهذا الفكر وتلك الفلسفة.
فعندما بحَثَت الكنيسة المصرية عن مفتاح الاستقلالية عن باقى الكنائس الأجنبية والتميز فى شكل عمارتها والفنون المقدسة التى سوف تعبر عن رؤيتها الخاصة بالعقيدة..لم يكن هناك مفر من الإستقاء والاستلهـام من الرصيد التراثى الهائل والعظيم والمتميز للمصريين القدماء..ولقد اتضح هذا من خلال الأعمال الفنية بالقرون الأولى الميلادية للفن القبطى الذى دأب بعد ذلك فى المحـاولات للبعـد عن هذا التراث الذى اعتبره تراثاً وثنياً وذلك بعد قرون من ضعف الذاكرة والروح الأصيلة للديانة المصرية القديمة كما سبق وأسلفنا وخاصةً بعد أن مرت على مصر قوى استعمارية مختلفة كانت لاتزال تخلف وراءها الكثيرمن التشويه والتداخلات للمعانى والقيم الأصلية للتراث المصرى القديم..
ولقد تطلب هذا البحث عن التفرد والشخصية المستقلة أجيالاً متعددة..إلا أن القبطى لم يستطع تحقيق ذلـك بشكل كامل فيما يتعلق بعلاقته بجذوره المصرية والتى تكمن فى لاشعوره ونماذجه الأصلية.. بل أنه وكما سبقت الإشارة إليه هناك توجهات قبطية معاصرة لإعادة إحيـاء التراث المصرى القديم ..إن لم يكن فى الفن بشكل صريح فهو فى الحكى والاستشهاد بعظمـة هذا التاريخ وأثره على الأقباط إلى يومنا هذا، وإذا كان هناك من المؤرخين من رصد كيف أن العالم المسيحى قد رأى فى العقيدة المصرية القديمة خطر على العقيدة المسيحية وكيف حاول هذا العالم وحتى العصر الحديث القضاء على كل ما له علاقة بها ..ومن هؤلاء المؤرخين (مارتن برنال) § ..
إلا أن هناك من يرى وأجدنى معه أن العقيدة المصرية القديمة وإن لم تستطع أن تحد من انتشار وقوة العقيدة المسيحية – وهو ما لم يكن مطلوب منها أصلاً إلا من قبل قلة من المفكرين – إلا أنها من ناحية أخرى قد أفادت ودعمت من أفكار العقيدة المسيحية.. بل واستطاعت أشهر الشخصيات الدينية المسيحية الأولى أن تستفيد من ذلك وبشكل صريح لا يلتوى ولا يعوج فيه الكلام..فنجد القديس (بولس) أحد دعائم الكنيسة ولاسيما الغربية على سبيل المثال يقول عن السيد المسيح مشبهاً إياه بأوزير المصرى "كان رباً مات ليبعث حياً وليمنح الناس الخلود"¨..
وعند زيارة العديد من المعابد المصرية القديمة سوف نجد أعمال تشويه وطمس لمعالم الرسوم الجدارية بتلك المعابد ..ولا نكاد نعجب عندما نعلم أن أعمال التشويه تلك كانت بأيادي المسيحيين الأوائل الذين رأوا فى هذه الرسوم إحياءً لوثنية القدماء..، ولكن العجب كل العجب هو ما نشعر به عندما نعلم أن المسيحية بشكل عام وليست الشرقية فقط ..قد استقت العديد من الرموز والأفكار الدينية من ثقافة وتراث هؤلاء الأجداد القدماء أنفسهم الذين اتُهموا بالوثنية وذلك بالرغم من الاختـلاف العقائــدى الواضح..حيث لم يعرف المصرى القديم السيد المسيح قط، ثم لا نلبث أن ندرك وكما سبق وأشـرنا أن الفكر المصرى القديم كان فى حقيقة أمره على درجات من القوة والنضج والعمق التاريخى التى تجعله ذى تأثير بليغ فى الفكر والوجدان الإنسـاني بأكملهما..، فليست العقيدة المسيحية باستكمال للعقائد المختلفة السابقة عليها.. ولكن الجموع الشعبية فى مختلف بقاع الأرض هى التى حملت فى ذاكرتها ووجدانها ما استطاعت أن تفرغه فى جعبة العقيدة الجديدة ، كما يبدو وأن الشخصية المصرية ذاتها وخاصةً الشعبية الأصيلة والبسيطة لم تتردد فى الحفاظ على تراثها حتى وإن كان ذلك عن غير قصد..وذلك بعيداً عن الجهات الرسمية التى قد تتطلع إلى إحداث تغييرات ثورية وفكرية قد يكون الهدف من ورائها اكتساب الفضل فى حدوثها
وتكتب أ.د/ زبيدة محمد عطا قائلة: "يرى أستاذنا د.جمال حمـدان: أن المصرى غير لغته عدة مرات،ورغم تمسكه بالمكون الدينى فقد غير دينه ثلاث مرات وأن هناك قطيعة حضارية بين فترات الوثنية والمسيحية ثم الفترة الإسلامية. لقد أيده فى هذه النظرية عدد من المؤرخين، ولكن أرى أن الفكر المصرى كالبناء وضعت الفترة الفرعونية أسسه، ثم توالت عمليات البناء لتضيف كل فترة لبنة فى كيانه، فهى ليست فترة قطيعة، إنما هى مراحل فى التكوينة الذاتية للشعب المصرى".."فالمصرى يميزه الإستمرارية مع تقبل الجديد والاحتفاظ بالقديم والجديد معاً"1·، وتعتقد الباحثة أن هذا المدخل لفهم الشخصية المصرية بفكرها وفنها هو ما سوف يتأكد عند كل اثبات سوف يحاول البحث الوصول إليه.. بل وهو مفتاح لحل وتحليل العديد من المسائل الغامضة وغير المعروفة حتى الآن من الفكر أو الفن القبطى وخاصة الذى يعود إلى القرون الميلادية الثلاثة الأولى..، ولكن من ناحية أخرى نجد أن هناك من المفكرين من يحللون هذا التواصل والتشابه بين فصول التاريخ بأديانه وعقائده ..بأنها "إشارات تمهد إلى المسيحية لأن الله حسب قول الكتاب المقدس لم يترك نفسه بلا شاهد فى أى عصر أو أية أمة، ولو ترك هذه الأمم فى خضم الوثنية لما عاش العالم إلى اليوم."2·
أما فيما يتعلق بالممارسات الفنية فى تلك القرون الثلاثة نجد أنه من الصحيح أن عموم المؤرخين يجمعون على أن الفن القبطى قد بدأ فى التبلور منذ القرن الرابع الميلادى..إلا أن هذا الفن القبطى الذى ظهر فى أعقاب القرون الثلاثة الميلادية الأولى.. نستطيع تخيله بمثابة الجنين الذى خرج من رحم أمه (مصر) والذى استغرق نموه ثلاثة قرون سادت فيها أجواء فكرية فلسفية قوية ضمنت له ملامح معينة ميزته عن غيره من الفنون السابقة عليه واللاحقة له.. بل إن هذه الأجواء الفكرية وما صاحبها من ارهاصات فنية تشكيلية يُفترض من خلال هذا البحث أنها تستحق الدراسة العميقة لأنها هى التى سوف تشرح للباحثين كل ما قد استعصى عليهم فهمه من رموز وفلسفات خاصة بالفن القبطى وعلى أقل تقدير سوف تغير من مفاهيم أو أسماء مصادر الكثير من المعانى والرموز القبطية لدى هؤلاء الباحثين..وربما أيضاً بالفن المسيحى بشكل عام فى كثير من مصادره..فليس من الكافى أن تتم دراسة الفن القبطى أو أى فن آخر بمعزل عن بيئته الفكرية..وإلا أصبحت قراءة هذا الفن ناقصة وسطحية..، كأن نقول أن الفن القبطى لم يهتم بالمنظور ولم يهتم بالنسب التشريحية للأشخاص لأنه كان فناً روحانياً يبتعد عن المادة، ولكن لتكون القراءة وافية ومقنعة وأيضاً ملهمة لمزيد من الإكتشافات يجب أن نتعرف على الأسباب الحقيقية التى جعلته فناً روحانياً.. وبأى كيفية وبأى أهداف هو روحانىُ..، فتلك الأجواء الفكرية المبكرة التى أخذت فى التغير بعد استقلال الكنيسة المصرية عن الكنائس الغربية ..وارهاصاتها التشكيلية كانت فى فترة زمنية طويلة ظهرت فيها مجموعات ومدارس من التوجهات الفكرية والفلسفية - التى سوف نتعرض لها تفصيلياً – والتى مثلت همزة الوصل بين الفكر المصرى القديم الذى كان فى أواخر صوره وبين الفكر المسيحى الجديد فى أوائل وبواكير صوره.
ولكل ما سبق يبدو أنه كلما تقدمنا فى هذا البحث كلما وجدنا أنفسنا فى وضع المقارنة مع فكر المصرى القديم نظراً لتشابه الأفكار والصور وما تحويها من رموز تشكيلية ذات دلالات عقائدية عنده وعند الاخـوة المسيحيــين حتـى يومنـا هذا..ولكن لكى تكون هذه المقارنة صحيحـة وعميقة يجب البحث فى جذورها الفلسفية..فالمســألة ليست مجرد سرد لأمثلة استعانة الفن القبطى القديم ببعض أو الكثير من الرموز التشكيليــة ذات الأصل المصرى القديم فقط ولكى لا يصبح هذا السرد سطحياً وهشاً .. حيث أن هناك توافقاً وأحياناً تطابقاً بين العديـــد من الأفكار والنظريات الفلسـفية عنـد كـل من العقيدتين – أو لنقل المنظور الدينى - .. بل وإن هذه التشابهات أو المتطابقات غالباً ما تكون على ارتباط وثيق بكثير من الرموز التشكيلية التى نحن بصدد البحث عن جذورها وهو ما يهمنا بالدرجة الأولى فى هذا البحث..وعلى كلٍ فإن هذه التشابهات وتلك المتطابقات قد جعلت مسألة..استلهام هذه الرمـوز التشكيلية فى الفنون المسيحية تأتى فى سياق منظومة كاملة من استمرار وخلود وتأثير مثل هذه الرؤى الفلسفيـة للعقيدة، وهو ما سوف نتناوله فى النقاط التى أقر بها علماء مقارنة الأديان كنقاط مشتركة بين العقيدتين المصرية القديمة والمسيحية بمذاهبها المختلفة.. بل وفى أوطانها الشرقية والغربية على حد سواء وكذلك أزمانها القديمة والحديثة..ومن خلال هذا البحث سوف تكون هناك محاولة لإضافة المزيد من التحليلات التى تخدم الدراسة ..عن طريق المقارنات بين ما جاء فى المراجع المتخصصة فى كل دين أو عقيدة على حده..وهذه النقاط هى كما يلى:
* تتجه العديد من الدراسات البحثية الحديثة والمعاصرة إلى الإشارة إلى فطرة الإنسان المصرى بشكل عام وميله إلى الإيمان بالإله الواحد، سواء عند المصرى القديم قبل إخناتون أو حتى بعده..ثم المسيحيين المصريين..مع الإختلاف المحفوظ لكل عقيدة بطريقة رؤيتها لهذا التوحيد.
* الاعتقاد القوى والراسخ فى إعادة البعث
Resurrection
والحساب ومن ثَم الخلود للأتقياء..ويرى علماء الأديان المقارنة أن هذا الإعتقاد فى حد ذاته من الثوابت التى تتعلق بمسألة الألوهية التى خلقت وتخلق وتتحكم فى مجريات أمور الكون من بدايته وحتى آخرته، ولقد كانت قيامة السيد المسيح بعد صلبه (قاهر الموت) بمثابة وعد للمسيحيين بالخلود والتعويض عن آلام الحياة..وهو ما قد وفر للعقيدة المسيحية مصدراً للقوة فى طريقها للانتشار..
فيقول الأستاذ الكبير عباس محمود العقاد "أن التبشير بالغفران والتوبة هما أكبر ذنوب الداعى، لأن الخطايا والعقوبات هى بضاعة السلطان القائم"1·، وذلك الغفران ومن ثَم الخلود هما اللذان قد ركزت عليهما عقيدة المصريين القدماء بشكل غير مسبوق أو حتى لاحق فى تاريخ البشرية..، فالميزان الذى يفصل بين حسنات وسيئات الإنسان بمثابة إعلان ضمنى أنه لا إنسان بلا أخطاء.. ولكن أى الكفتين تثقل ؟ ..
وفى مسألة الوعد بالحياة الأخرى يقول "لوثر(إذا لم تعتقد فى اليوم الآخر،ما ساوى إلهك عندى شيئاً)"2·..فهذا إذاً استباق واضح للمصريين القدماء..مع العلم أن الكثير من معاصريهم لم يؤمنوا حقاً بذلك..فحياة الأموات فى حضارات بلاد النهرين هى حياة قاتمة مظلمة* وهذا يتوافق إلى حد ما مع التراث اليهودى الذى لم يتحدث عن أى شىء بعد الموت بل إن الأرواح فى هذا التراث تذهب الى (شيول) أو أرض الظلمات© ..
وعند هذه النقطة يجب أن نتوقف لبرهة ..حيث أنه فيما يتعلق بالمعجزة الأساسية للسيد المسيح الإنسان أن مريم قد ولدته بدون رجل أى بدون المادة التى يتخلق منها الجسد والذى ينفخ فيه الإله٭ من روحه لتدب فيه الحياة..وفى هذا الإعجاز ما يقف أمام إنكار اليهود (أو لكثرة منهم وخاصة جماعات الصدوقيين) لمسألة الروح بل والقيامة والحساب والعقاب بينما قد تعمقوا فى الماديات قبل مولد السيد المسيح..واستكملت هذه المعجزة بإعجازات أخرى مثل قدرة السيد المسيح على إحياء الموتى أى رد الروح إليهم أو بوهب الروح لتشكيل طينى يمثل جسد طائر..فتلك الإعجازات جميعها على ارتباط بمسألة الروح وما يكتنفها من غموض يعجز البشر عن فهم خباياه..
ويلاحظ من خلال البحث.. أن من شأن رمزية هذه المسألة وتلك المعجزات أن يكون لها شديد الأثر على البعد الفكرى للعقيدة المسيحية وبالتالى البعد الفنى أيضاً وخاصةً الشرقى الذى شغلته مسألة الروحانية أكثر من المادية..، ومن ناحية أخرى وفى مقابل (شيول) أرض الظلمات فى التراث اليهودى نجد الجنة التى عبر عنها المصريون القدماء وسميت (يارو) بمتاعها الروحانى وليس المادى، كما أن تصور المصرى القديم عن عقاب الآثمين فى جهنم قد سبق مثيله فى رؤى الإسراء والمعراج بالنبى محمد (صلى الله عليه وسلم) وكذا (دانتى ألجييرى) فى القرن الثالث عشر وكذا الرسوم الجدارية التى تصورها فى كنائس العصور الوسطى بأوروبا وهو ما يطلق عليه يوم الدينونة§..، ومن المفارقات العجيبة أن مثل هذه الرسوم لم يحاول الفنان القبطى أن يصورها بكثرة¨*، وعلى كلٍ فتلك الكنائس الأوروبية التابعة للمجتمع الأوروبى بالرغم من اعتراف المؤرخين باستقائها العديد من الأفكار والرؤى الفلسفية من تراثها الأوروبى المتمثل فى الحضارتين اليونانية والرومانية..إلا أننا نجد أن فى تلك الأخيرة قد ضعف فيها تأثير فكرة الخلود على الإنسان وتشهد على ذلك النقوش الموجودة على شواهد القبور والتى ظهرت عليها عبارات تأسف لأن المتوفى قد ترك متع الحياة أو أخرى تنم عن الرضا لأنه أفلت من متاعب الحياة¨..فى حين كان اهتمام المصرى القديم المتفرد بالآخرة وتطلعه إليها هو
نتيجة لحبه الشديد للحياة..مما يعنى أن الفلسفة المصرية ورؤيتها للعالم الآخر هى ما يتشكل منها أصل الفكرة عند العالم المسيحى.
* نظرية الخلق بالكلمة الخلاقة أو الخالقة التى استبق بها المصريون القدماء جميع النظريات المماثلة لها فى المعتقدات الدينية فى العالم أجمع ..وهى نظرية أو إيمان يصور تجسيد مشيئة الإله فى خلقه الأول للكون والإنسان وباستمرار بنطقه للكلمة (كن فيكون فى الإسلام) وعند المصريين القدماء تجسدت هذه الكلمة أكثر من مرة ..ومن أهم تلك المرات حين تجسدت فى شخص (أوزير) (أوزيريس فى نطق الإغريق) والذى من المرجح فى بعض الأبحاث أنه قد عاش بالفعل فى مصر فى6000 أو 10500 سنة ق.م ، وكانوا يعتقدون "أن كلمة الله أو روح الله تتجسد لتحيا على الأرض من عصر إلى عصر، لأنها وحدها هى التى تعرف الحقيقة الإلهية والمعرفة المقدسة والعلوم جميعاً وهى التى تستطيع تقديمها إلى البشرية،كدرجة بعد درجة حتى يتوالى صعودها الى المدارج حيث الإنسانية الحقة والكونية العليا والألوهية العظمى"1· ، وكثيراً ما كانت تقترن صفة الذكاء أو المعرفة بالكلمة الخالقة عند المصرى القديم
حو
HU
، والاعتقاد بالخلق بالكلمة هو أيضاً إيمان مسيحى عميق ويطلق على الكلمة المقدسة لفظ
LOGOS
اليونانى حيث قال به كل من (أفلوطين) الفيلسوف المصرى ومن قبله (فيلون) الفيلسوف اليهودى السكندرى..وفى المسيحية كان السيد المسيح هو تجسيد لهذه الكلمة المقدسة (فى البدء كان الكلمة، والكلمـة كانت عند الله..كل شئ به كان وبغيره لم يكن شىء مما كان) سفر يوحنا (1 : 1-5 )..، ويقارن علماء الأديان بين هذه الكلمة المتجسدة فى المسيحية وبين الكلمة الإغريقية واليهودية حيث يشيرون إلى أن الكلمة فى هاتين الأخيرتين لم ترق إلى التجسد فى شخصية إنسانية مثلما كان الحال فى المسيحية، ولكن من قبل هذا الزمان والأديان جميعاً نقرأ هذه الفكرة المشابهة – أى الكلمة المتجسدة - فى حوار ذاتى على لسان الإله الأعلى فى الفصل السابع عشر من فصول كتاب الموتى (جاءت الكلمة إلى الوجود ..كان لى كل شىء حينما كنت وحيداً…)©، وبهذا الاستباق الواضح يصبح إيمان الكنيسة المسيحية بشكل عام بمسألة الخلق عن طريق الكلمة ليس مجرد امتداد للإعتقاد الإغريقى السابق عليها والذى قد روج له البعض مثل الفيلسوف اليهودى (فيلون) بالقرن الأول الميلادى بالإسكندرية ..ولكنه فى حقيقة الأمر امتدادُ أعمق لتاريخ هذه النظرية الضاربة فى عمق التاريخ المصرى القديم والذى لابد أن (فيلون) الذى عاش على أرض مصر قد أخذه عنه..وبالطبع اليونانيين من قبله أو من بعده.
* إن المقارنة بين كل من (أوزير) والسيد المسيح لن تقف عند هذا الحد، فمفهوم الثالوث المقدس كان المصريون هم أول من عرفوه بل وأحبوا أن يطلقوه على عدد من الأرباب ونظروا إليه كوحدة غايةً فى القوة (مع ملاحظة أن الإله الواحد عند المصريين لم يكن أحد عناصر أىٍ من الثالوثات)..
ويقال أن مسألة التثليث قد جاءت من اعتراف الشعوب بهؤلاء الأبطال المؤثرين فى حياتهم..وذلك عندما كان البطل الرئيسى يُقدم على الزواج فتدخل امرأته فى إطار القدسية ثم ينجب هذا الزوج إبناً يورثه أعماله البطولية ويصبح هذا الوليد هو المتمم للثالوث المقدس، ومفهوم الثالوث المقدس لم يكن معروف عند معاصرى المصريين القدماء فى حضارات بلاد النهرين§..ثم أخذه من بعد المصريين الإغريق ومن بعدهم الرومان (مثل الثالوث مينرفا ..جوبيتر وجونو) شأنه فى ذلك شأن جميع الآلهة التى عبدوها والتى كانت ذات أصل مصرى قديم مع تغيير فى الأسماء وبعض الصفات والقصص¨، ولعل من أهم هذه الثالوثات عند المصريين هو (أوزير – "إز" أو "إيزى" فى كتابات أخرى – ثم حور)§.
فأوزير نستطيع أن نعتبره من أهم الشخصيات المقدسة عند المصريـين فهو لم يختف طوال تاريخهم القديم بل والمتأخر المعاصر لليونان ومن بعدهم الرومان ..وإن كانت سيرته قد قويت وضعفت فى فترات مختلفة لكنها أبداً لم تُمحى من ذاكرتهم وضميرهم ..، وتدور حوله أسطورة يرجح بعض الباحثين الى كونها حقيقة فى كثير من أحداثها..كما أنه شخصية ارتبطت بكثير من المفاهيم والأمنيات لدى المصريين ورُمز له بأكثر من رمز نظراً لتعدد صفاته الخيرة..مما سيجعلنا نعود إليه فى أكثر من موضع بالبحث..
والجدير بالذكر أن قصة أوزير تتشابه والعديد من أحداث عدد من الشخصيات المقدسة فى بعض الحضارات أو الديانات الأخرى مثل (بعل)
و(دموزى أو تموز) فى بلاد النهرين و(بوذا) و(مثرا) فى قارة آسيا و(أبوللو) أو(هركوليس) أو (أدونيس) أو (ديونيسوس/باخوس) فى أوروبا ..وهذا الأخير قد عرف عنه قصص المجون وهو ما يبعد كل البعد عن (أوزير)..إلا أنه وبشكل عام ..ومن المؤكد تاريخياً أن جميع هذه الشخصيات قد تلت أسطورة (أوزير) وهو الأقدم بل ومن المرجح أن تكون جميع هذه الشخصيات قد تأثرت سيرها بأسطورة (أوزير) المصرى القديم...
وحسب الأسطورة - باختصار- ..أن (أوزير) كان ملكاً صالحاً وحكيماً علّم قومه الحكمة والفنون والعلوم ..وغار منه أخوه (ست) لتميزه بهذه المَلَكية§ª..فأقدم على قتله وتقطيع أوصاله وألقى بها فى أماكن متفرقة من نهر النيل (ومن هنا تفسر مسألة خصوبة أرض وادى النيل..وانتشار زراعة القمح بها وهو الرمز التشكيلى للخير عند كل من المصرى القديم والمسيحى) ..فبكت (إز) بكاءً غزيراً وبحثت عن أشلائه وجمعتها ..وبتضرعها وإقامتها طقوساً (قيل إنها سحرية) للإله رُدت روح (أوزير) إليه ومن جسده الميت حملت (إز) بابنهما (حور) بينما أصبح (أوزير) سيد العالم السفلى (عالم الأموات) وحاكمه..
وفى رواية أخرى أن ذلك الأمرقد تم بمساعدة (أنوبيس) ابن أوزوريس من (نفتيس) والذى تحول إلى (ابن آوى) الحيوان الشبيه بالكلب أو الثعلب حتى يستطيع بحاسة الشم القوية لديه أن يعثر على أشلاء أبيه والتى بالفعل استطاع جمعها ولف جسد أبيه بلفائف الكتان وحفظه وكانت هذه هى أولى المومياوات فى تاريخ مصر القديمة..
ومن هنا أيضاً يتضح سبب ظهور "أنوبيس" فى شتى مشاهد التحنيط فى أعمال التصوير المصرى القديم..وكذلك التصوير القبطى فى مراحله المبكرة، وهناك من يرى أن الكاهن الذى كان يقوم بأعمال التحنيط كان دائماً ما يلبس قناع "أنوبيس" أثناء القيام بهذا العمل..، كما أن (اوزير) دائماً ما يظهر فى الرسوم والمنحوتات المصرية القديمة فى هيئة مومياء ).
وعودةً إلى الأسطورة ..فقد عاشت (إز) مع ابنها (حور) مختبئة فى أحراش الدلتا حتى كبر واشتد عوده وخرج ليقاتل (ست) ويسترد حقه فى الحكم وينتقم لأبيه.. وعندما انتصر حور على عمه (ست) أهدى إحدى عينيه (والتى كان ست قد جرحها أو اقتلعها وساعد الرب (تحوت) (حور) فى استردادها أو شفائها) ..فأهداها إلى أبيه (أوزير) فى العالم السفلى والذى عندئذ
قد تحررت روحه وصعدت إلى السماء حيث موطن النجوم والأرباب§، و(أوزير) فى قهره للموت يخلد فى مكانة يتمنى كل مصرى قديم أن يتوحد معه فى هذا العـالـم بعد أن يبعث من جديد.. ولقد وُصف أوزير بصفات عدة ..منها المخّلص والراعى الصالح وكان دائماً ما يظهر فى شكل مومياء وفى يديه المذبة والعصا المعقوفة وهى أصلاً عصاً للراعى..كما أنه مثّل الحق دون أن يأمر به بمحكمة العالم السفلى وارتبطت سيرته بالبعث والخير والحصاد وهو روح الحياة ذاتها التى تنمو فى كل الكائنات وكان يرمز "لمظهره النباتى بالقمح،فكان يوطئ فى الأرض أولاً (أى يدفن) ثم يستريح فى ظلام (ظلام العالم السفلى) ثم تنبت البذرة الجديدة (البعث) مما يمكن فهمه أنه كانت توجد علاقة خاصة بين الماء واهب الحياة وبين الإله ومن هنا كان نهر النيل يسمى (تدفق أوزيريس)"1· .
ومن العجيب أن تصبح هذه القصة فى مجملها شديدة التشابه فى معجزاتها مع قصة السيد المسيح عند المسيحيين فالمسيح قد حملت به مريم وهى عذراء (بدون رجل) كما حملت (إز) بحور بدون جسد حى، واختبأت به مريم حتى كبر وأمرها الرب بالعودة إلى الأراضى المقدسة..ثم عُذب المسيح وصلب ثم
بعث للحياة مرة أخرى وهى الحياة التى يتمنى كل مسيحى أن يحياها معه، وضمن الكثير من صفات السيد المسيح فقد لقب أيضاً بالمخلص والراعى الصالح ، ونقرأ كلماته (ما لم تسقط حبة القمح فى الأرض وتموت فإنها تظل وحيدة، ولكنها لو ماتت لجلبت الكثير من الثمار)¨ والقصتان فى مجملهما يشكلان رمزاً للتضحية من أجل الخير وكانت هذه التضحية فى كل من المصرية القديمة والمسيحية أيضاً من أجل فداء البشرية وخلاصها (وتكفيراً عن الخطيئة الأولى عند المسيحيين)..كما أن السيد المسيح الإبن عند المسيحيين يجلس على يمين (الآب)§ فى عرش السماوات ليحكم على بنى الإنسان، ويصبح الثالوث المقدس فى المسيحية (الآب الإبن والروح القدس) هو أهم مبدأ فى هذه العقيدة المسيحية ومن أهم النظريات التى كان لها تأثير على البعد التشكيلى فى الفنون المسيحية.. ويعرف كل عنصر من هذه العناصر الثلاثة باسم الأقنوم (جمعها أقانيم) أى مظهر أو وظيفة للذات الواحدة تماماً مثل قوة الثالوث المقدس المصرى الناتجة عن اتحاد الثلاثة فى واحد، وعن هذا السبق المصرى يقول جفرى بارندر "من الواضح أننا هنا نجد استباقاً للعقيدة المسيحية،حتى لو أعوزنا الدليل الذى يثبت أن لها تأثيراً معيناً على الصياغة المسيحية"1©..
وتجدر الإشارة إلى أن أسطورة أو قصة (أوزير) بشكل خاص ودوناً عن غيرها من الأساطير المصرية القديمة كانت من أهم هذه الأساطير التى أضافت إلى روح الرمزية فى الشعائر الدينية القديمة..فكانت إعادة تمثيل هذه الأسطورة فى أثناء الشعائر يحتم أن يكون الرمز مزدوجاً.. "إذ كان المصرى يمارس شعائره حتى يضمن أن تحل بركة الآلهة على كل ما يأتيه من أفعال،كما كانت تلك الشعائر إعادة لأحداث أسطورية وقعت فى زمن الآلهة..فلو تجردت الطقوس من الإشارة إلى الأحداث الأسطورية والعقائد اللاهوتية لفقدت كل معنى، لذا صاحب أداءها ترانيم وصلوات حافلة بتلك المعانى،فكان ما يقال يكمل ما يؤدى..ولذا كانت تأدية الشعائر تتطلب نوعين من الكهنة..منفذ وقارئ"2· .
وليس هناك ثمة دليل على أن (أوزير) المصرى هو أقرب الشخصيات الدينية والتاريخية – حتى وإن أطلق عليها الوثنية – إلى شخصية السيد المسيح من حيث التشابه ..أكبر من كلمة القديس (بولس) نفسه مؤسس أو واضع لاهوت الديانة المسيحية وخاصةً الغربية والتى سبق وأشرنا إليها، ولكن يجب الأخذ فى الاعتبار فكرة فى غاية الأهمية وهى أن (أوزير) عند المصريين كان ذى طبيعتين§ (بشرية قد عاشت معهم على الأرض - وإلهية حيث يتسم بخصال الرسل والأنبياء أو قدرات غير بشرية كما أنه كان يلعب دور الوسيط بين البشر والإله الواحد) ..وتلاحظ الباحثة أن ثمة تشابه كبير بين هذه الرؤية وبين تلك التى أثارها الأسقف (أريوس) من الإسكندرية فى أولى الخلافات الفلسفية بين الكنائس فى القرون الميلادية الأولى حيث كان يقول "الأب وحده الله..والإبن مخلوق مصنوع وقد كان الأب إذ لم يكن الإبن"3·، كما أن (أريوس) يقول بولادة الروح القدس من الكلمة§ ..وبالرغم من انتهاء أمر (أريوس) بإدانته من كافة الكنائس ونفيه إلا أن هاتين الطبيعتين - مع اختلاف المسميات - قد أخذت بهما الكنائس الغربية فى السيد المسيح فيما بعد مع اختلاف الصيغ التى تعبر عن ذلك..فحتى مسألة انبثاق الروح القدس من الكلمة أو المسيح ذاته إلى جانب انبثاقها من الآب أصبحت مقررة فى الكنيسة الكاثوليكية ..، ولقد عرف عن (أريوس) مدى تأثيرأفكاره على الإمبراطور قنسطنطين ومن القنسطنطينية إلى الغرب..ولكن أساس الأفكار غالباً ما كانت من مصر ..ويرى (ول ديورانت)§ أن أفكار (أريوس) كانت متأثرة ب(أفلاطون وفيلون وأفلوطين وأوريجن)..وجميعهم قد عاشوا فى مصر أو كانوا من زائريها أو مصريين كما سوف يأتى الحديث عنهم فيما بعد ..
أما الكنيسة الشرقية أو الأرثوذكسية القبطية فهى تأخذ بمذهب الطبيعة الواحدة (المونوفيزيت) كما أنها ترى أن الروح القدس منبثق عن الآب وحده¨، وربما كان هذا الإصرار المصرى فى مسألة الطبيعة الواحدة بدافع الرغبة فى الإبتعاد عن الفكر المصرى القديم الذى رأت فيه الوثنية وذلك بالطبع الى جانب الدوافع الأخرى التى سبق وأشرنا إليها .
ومن ناحية أخرى نجد أن التشابه بين الفكر المصرى القديم والفكر المسيحى الغربى لم يكن وحيداً فى مسألة الطبيعتين .. فبينما نجد أن احتفال الكنيسة الغربية بمولد السيد المسيح يوافق ال25 من ديسمبر وهو ما يوافق مولد (أوزير) المصرى والذى سمى بعيد الشمس لأنه يمثل بداية طول النهارأو الإعتدال الخريفى (ويذكر أن هذا التاريخ هو ذاته تاريخ مولد "ميثرا" إله النور عند الفرس بل ومولد" بوذا" فى شبه القارة الهندية.. وهم جميعاً قد ظهروا فى أوقات وأزمان لاحقة وبعيدة لأوزير المصرى)..بينما الأمر كذلك ..نجد أن الكنيسة القبطية تحتفل بمولد السيد المسيح فى 7 يناير أو 29 (كيهك) مما قد يؤكد على قصدية الإبتعاد القبطى عن التراث المصرى القديم.. حيث رفض الأقباط "الإحتفال بمولد المسيح فى يوم كائناً ما كان وعلى رأسهم (أوريجين) الفقيه العظيم"1·، ولذا فإنه يبقى فى الذاكرة أن رؤية الكنيسة الغربية لطبيعتين الإله هى فى الأصل فكرة مصرية قديمة..وذلك قبل أىٍ من مثيلاتها فى الحضارات القديمة الأخرى..ذلك لأن صاحبها الأول (أريوس) قد عاش وتشبع من أفكار المصريين القدماء.
وأما فيما يخص باقى أضلاع الثالوث المصرى المقدس ..نجد أن حور (حورس) يجسد فكرة الابن ذى الأم الأرضية (إذا كانت إز فى أغلب النصوص المصرية القديمة ربة ..لكنها ليست إلهة فقد كانت تعيش على الأرض وسط الناس) والأب السماوى وهو فى ذلك يتشابه مع السيد المسيح قاهر الموت وقاهر الشر ..وهى ذات المعانى التى عرفت عن (حور) الذى انتصر على (ست) وسحق التماسيح أوالحية أو التنين.. وتجلت الكثير من الأعمال التشكيلية التى تمثل هذه الفكرة سواء فى الفن المصرى القديم متجسدة فى (حور) أو الفن القبطى متجسدة فى السيد المسيح أو القديس (جرجس)..، فكأن (أوزير) جنباً إلى جنب (حور) قد اجتمعت بهما بعض من صفات أو قوى السيد المسيح.. ( أوزير + حور = يسوع )، وعند المصرى القديم كان الملك الحاكم للأرضين (مصر العليا ومصر السفلى) يمثل روح (حور) الملك الذى استطاع أن ينتصر على قوى الشر ويحكم البلاد..بينما يمثل والد هذا الملك المتوفى روح (أوزير) رب العالم السفلي§...
وفى تفسير شخصى ومنطقى خاص بأسطورة أوزير للعالِم (رندل كلارك) أن الديانة المصرية قامت "عبر تطورها من أناشيد عصر بناة الأهرام حتى تأملات الدولة الحديثة على فكرة أن آلام الإله ثم انتصاره يمكنها أن ترمز إلى دائرة أحداث الطبيعة الخارجية أو إلى نظرية الملَكية"1·..، وهذا يعنى فى اعتقاد الباحثة أن الأسطورة عند المصريين القدماء بصرف النظر عن كون أجزاء منها حقيقية أم لا كما يعتقد بعض العلماء ..أن الأسطورة أو القصة ذاتها لها أبعاد فلسفية عميقة انتهجت الرمزية بالدرجة الأولى كأسلوب ..وهذه الرمزية قد شملت وطبقت على جميع أوجه الحياة..ففى حين كانت تفسيراتها المختلفة تحتمل التأويل والاختلاف فى الآراء فيما يخص مسألة التوحيد..نجد أن مثيلاتها أى مثيلات الأسطورة المصرية فى حضارات أخرى تمثل دليلاً على الوثنية البحتة فى آراء العلماء فهم لم يختلفوا كثيراً حول إمكانية وجود مذهب التوحيد أم لا عند العقول التى سردت هذه الأساطير ولاسيما فى حضارات النهرين القديمة..وكذلك الرومانية ومن قبلها اليونانية..غير أن تلك الأخيرة قد حاول بعض العلماء أيضاً الإشارة إلى أن الآلهة المتعددة بها إنما هى رموز إلهية وخاصةً بعد أن تحدث بعض فلاسفتها عن الإله الواحد..إلا أنه من ناحية أخرى هناك بعض الآراء التى ترى أن الفلسفة اليونانية كانت أولى أطوار العلوم الوضعية وكانت فى ذلك تبتعد عن المنحى الدينى للتراث اليونانى نفسه والذى كان مجالاً خصباً للخرافة والأساطير بأبطالها الوثنية..
واستكمالاً لهذا الاستنتاج ..قد يكون هذا الاختلاف فى الفكر غير الناضج عند الحضارات القديمة هو بسبب الأخذ غير الواعى للكثير من الأفكار والنظريات والأساطير المصرية التى يستمر العلم الحديث والبحوث الأكثر حداثة فى تأكيدها أنها الأقدم عمراً..ثم وبعد هذا الأخذ منه كان يضاف إليها أو يطرح منه أو الاثنان معاً..مما كان يؤدى إلى تشويه العديد من القيم الروحانية التى يحملها فبدت الآلهة فى تلك الحضارات الأخرى القديمة تميل إلى البعد الوثنى أكثر منها إلى البعد الرمزى.
* وتشكل الشخصية الثانية فى كلٍ من القصتين - قصة (أوزير) من ناحية والسيد المسيح من ناحية أخرى - وجه تشابه آخر يتمثل فى القديسة العذراء مريم و(إز) المصرية والتى أحياناً كانت تحل محل (حتحور) (مسكن حورس) أو بالأحرى أن تلك الأخيرة هى إحدى صور (إز) ..وأحياناً أخرى (نوت) ربة السماء..وهاتان الشخصيتان - أى (إز) ومريم - اتسمتا بروح الأمومة المقدسـة ليـس فقط لابنيهما وإنما أيضاً للبشرية جمعاء، ومن الصحيح أن فكرة الإلهة الأم أو الأم العظمى
magna matter
قد وردت فى معظم الثقافات والحضارات القديمة فكانت (عَناة) عند السومريين و(عشتار) عند البابليين –وهى التى قد ذكرت فى التوراة- و(أرتميس) و(افروديت) عند اليونانيين و(فينوس وجونو وسيبل) عند الرومان ..بل وحتى فى المجتمعات البدائية مثل تمثال (فينوس وليندورف) (شكل5)..وارتبطت فكرة الأمومة لدى الشعوب بالأرض وخصوبتها وكانت غالباً ما يرد ذكرها كأنثى فى حين كانت السماء رجلاً..
إلا أن الوضع فى مصر القديمة قد اختلف* ، وعلى كلٍ ترى الباحثة أن فكرة الأمومة التى تجسدت فى الربة (إز) أو (إيزاى) هى أقرب الأفكار الإنسانية الى أمومة مريم ..حيث أن الربة الأم (إز) لم تكن ترمز فى خصوبتها الى الحس الجنسى المادى الموجود لدى البابليين (البغايا المقدسات) واليونان والرومان (حيث كانت إفروديت راعية غانيات أثينا فى حين كان على الموتى فى تخيل المصريين القدماء القسم أمام قضاة محكمة العالم السفلى اثنين وأربعين قسماً بنفى عمل الرذائل ومن أهمها اشتهاء امرأة أخرى غير الزوجة أو اشتهاء امرأة أخرى متزوجة)..، وحتى عندما كانت هناك حاجة لتجسيد بعض الشخصيات التى تدلل على الخصوبة الجنسية عند المصرى القديم كان ذلك يتم ببراءة أو بجدية فائقة وبرقى من خلال طريقة رمزية©.
والجدير بالذكر أن (إز) هى أم فقط (لحور)· بينما كانت (عشتار) أماً وحبيبة فى آن واحد (لتموز) وهو ما يتنافى مع روح الأمومة الحقيقية..التى نلقاها فى أمومة القديسة مريم العذراء، كما أنه أين (عناة) أو (إينانا) ربة السومريين من (إيزيس) الزوجة المخلصة ..فالأولى قد أرسلت زوجها (دوموزى)§ للموت مكانها بعد أن صعدت من العالم السفلى كتنفيذ لشرط تحريرها بينما جاهدت (إز) من أجل جمع أشلاء زوجها وندبها إياه وحمل طفل منه ثم رعاية هذا الطفل .. وهى كثيراً ما كانت تظهر ومريم المقدسة وهما حاملتان لطفليهما على ذراعيهما وأحياناً أخرى وهما ترضعانهما (الشكلين 6-7) وهو ما لم يتم العثور عليه من خلال هذا البحث فى أىٍ من نماذج رموز الأمومة فى الحضارات القديمة، ولكن فى مصر القديمة وقبل عصر الأسرات عثر على أقدم النماذج النحتية البسيطة التى تجسد هذا المشهد الجميل.
.أى أن الأمومة فى حد ذاتها عند أقدم المصريين القدماء كانت من الأهمية والقدسية التى تجعله يعبر عن المرأة كأم قبل كونها إمرأة مجردة.
وتجدر الإشارة أيضاً الى أن تمثيل العذراء مريم وهى ترضع السيد المسيح أقل شيوعاً من وضعها وهى تحمله فقط وخاصةً فى الفنون القبطية وقد يعزى ذلك إلى أن مثل هذا المشهد قد يثير إحساساً بالطبيعة البشرية المنفصلة فى السيد المسيح لدى المتلقى تماماً مثل مشهد صلبه الذى كثر فى الكنائس الكاثوليكية بينما كان أقل فى القبطية القديمة¨، وعن التشابه بين أحداث كل من القصتين بشكل عام يجب الإشارة أن هذا التشابه لابد وأنْ كان له أعظم الأثر على إقبال ثم شدة تمسك المصريين بالعقيدة المسيحية حيث أنهم وجدوا فيها العديد من قيمهم التراثية المتمثـلة فى الشخصيات المقدسة لديهم، وإن المرأة عند المصريين القدماء كانت تدور حولها العديد من الأساطير وكانت تحتل أهم الشخصيات ذات المحاور المختلفة..مثل نوت قبة السماء وحتى فى الرموز التى تنتمى إلى الحيوانات ..نجد أنثى العُقاب والكوبرا وهى أنثى ..، ويتحدث (جيلبير دوران) ©§عن رمزية المرأة بالنسبة للصوفيين فيكتب " إن المرأة مثل ملائكة الرؤيا الأفلوطينية تملك بعكس الرجل طبيعة ثنائية هى الطبيعة الثنائية للرمز نفسه : خالة (المعنى) وفى ذات الوقت(وعاء) مادياً لهذا المعنى.. إن الأنوثة هى الوسيط الوحيد لأنها منفعلة وفعالة فى الوقت ذاته ..فهى مثل الملاك رمز الرموز وذلك كما تظهر فى علم المريمات الأرثوذكسى فى رسم تيوتوكوس" Theotocos أى أم الإله ..
ولعل علم المريمات الذى يتحدث عنه (جيلبير) قد وُضعت لبناته الأولى عند الفكر المصرى القديم عندما جسده فى (إيزيس)..مما جعل احتفاظ الشعوب بصورة (إيزيس) فى صورة (مريم) أمر طبيعى..، والدليل على ذلك هو استمرار تقديس مثل هذه الشخصيات المصرية فى أنحاء الإمبراطورية الرومانية داخل وخارج مصر حتى القرن السادس الميلادى..إلى أن أمر الإمبراطور (ثيودوسيوس) بإغلاق المعابد الخاصة بهم وإنهاء كل ما له علاقة بالعقائد الوثنية (كما عرف عنها آنذاك)..
ويرى البعض الآخر من الباحثين وخاصة غير المسيحيين على العكس من أوامر وطريقة تفكير (ثيودوسيوس) أن هذا التراث المصرى القديم هو ذاته التراث الذى آثر المبشرون الأوائل فى صبغه على العقيدة المسيحية من أجل نشرها وتسهيل استيعاب الشعوب لها وهى ذاتها الشعوب التى قد استقر فى وجدانها التاريخى التراث المصرى القديم بكافة أساطيره وعلى اختلاف رواياتها..ولكن الأهم من هذا وذاك بالنسبة لموضوع بحثنا أن هذه التشابهات بين العقيدتين المصرية القديمة المتمثلة فى أسطورة (أوزير) بشكل خاص من ناحية والعقيدة المسيحية من ناحية أخرى وكما يفترض البحث لهى من أهم أسباب تناسخ وتشابه الرموز التشكيلية فى الفنون المعبرة عن كل من الديانتين..، ولكن هناك المزيد من المتشابهات والمتطابقات التى تدعو إلى ذكرها فيما يلى من نقاط.
* فلم تكن أسطورة (أوزير) هى وحدها التى يمكننا ارجاع تشابه الرموز التشكيلية فى الطقوس والفنون المسيحية والمصرية القديمة إليها..فنجد على سبيل المثال أن الطابع الصوفى فى التعبد كان ولازال من أميز سمات العقيدة المسيحية..ويتجلى ذلك فى شتى المؤسسات الرهبانية بكافة مذاهبها المسيحية، والتى لازالت حتى يومنا هذا تقدم الكثير من الأعمال الجليلة للمجتمعات، وإذا اطلعنا فى معظم المراجع العالمية على التوجه الصوفى لوجدنا أن له علاقة وثيقة بمسألة الرمز سواء على المستوى الفكرى أو الفنى..وفى ذلك يقول الشاعر المصرى المعاصر فاروق شوشة¨ "إن الرمز هو الذى يحفظ لغة الصوفى عبر الزمن حتى لا تختلط ولا تضيع وسط لغات أخرى"، وإذا كان قد قيل عن الصوفية أنها مثل البحث عن الذهب فى أنهار من الرمال ..فهذا يدل على مدى صعوبة الأمر أو بمعنى أصح أنها ليست بالشيء السهل وخاصةً بالنسبة للأشخاص غير المقتنعين أو المقبلين على الأمر..ولكنّ الرمز كان دائماً من أهم العناصر التى سهلت ودعمت نشاط الصوفى بشكل عام..، وهذا الطابع من المعروف أنه أول ما ظهر كان بمصر..ومنها صُدّر الى شتى أنحاء العالم بل يقال أنه قد وصل بتأثيره الى الهند*، وذلك بخلاف التأثير العظيم الذى أحدثه هذا الفكر التصوفى فى العالم الغربى ولا سيما الأوروبى الذى انتشرت به المؤسسات الرهبانية انتشاراً واسعاً وخاصةً فى العصور الوسطى وهو ما أثر بالتالى وبنحو جذرى على شكل الفنون التشكيلية بالكنائس كما سوف نتعرض له فيما بعد بالباب الثانى من هذا البحث.
إلا أن هذا الفكر الصوفى لم يكن فى نشأته وليد العقيدة المسيحية ولكن المصريين القدمـاء كانوا أول من عرفوه© ومنهم انتشر الى باقى الحضارات القديمة المعاصرة لهم، ولعل ذلك – كما يحاول البحث تأكيده - قد ظهر بأساليب مختلفة ولكن جوهر الفكر التصوفى نفسه كان يتمثل فى إعلاء شأن الروح ومغالبة شهوة الجسد فى منظومة فلسفية شاملة..وكان هذا الأمر ليس إجبارياً على عامة الأفراد - وإن كان الشعب المصرى القديم برمته قد اشتهر بتدينه وورعه الشديدين بل ووصفه هيرودوت بأنه أكثر شعوب العالم تديناً - إلا أن الفكر التصوفى بعمقه الحقيقى قد عرف عن طبقة الكهنة والحكماء الذين كانوا يدققون بشدة فى كل ما يتعلق بالدين..، كما عرف عنهم أيضاً أنهم كانوا يمثلون الطبقة العالمة والحكيمة بالمجتمع ..حيث لم يكن لديهم أى تناقض فيما بين العلم والدين ولكن على العكس كان لكل منهم - أى العلم والدين - تأثيراً إيجابياً على الآخر ..وهو ما قد اختلف عند كثير من رهبان وراهبات ورجال الدين المسيحى فى العصور الوسطى بأوروبا التى انتشرت بها محاكم التفتيش بأمر من الكنائس.
إن تتبع توظيف الديانة المصرية القديمة للكثير من العناصر المعمارية بالمعابد يدل على الكثير من التشابه فى ذلك التوظيف عند الأديرة المسيحية وخاصةً الشرقية التى كانت تحرص على تخصيص أماكن لتعبد الرهبان مثل الصوامع وأماكن لتخزين الغلال وأخرى للأشغال التى ينفذ بها الرهبان أشغالهم الحرفية..وهو ما كانت عليه الحال فى المعابد المصرية القديمة بالنسبة لكهنتها، ولا يفوتنا هنا الإشارة إلى أن المسيحيين الأوائل فى مصر قبل إنشائهم الكنائس كانوا قد لجئوا الى المعابد والمقابر المصرية القديمة هروباً من الاضطهاد ورغبةً فى التعبد..ويذكر بعض المؤرخين أن كثيراً منهم آنذاك كانوا لازالوا يستطيعون قراءة الكتابة المصرية القديمة (الهيروغليفية)، وبالرغم من أعمال التشويه التى قاموا بها لفنون هذه الأماكن إلا أن تأثير تلك الأخيرة كان قوياً على رؤيتهم وتخيلهم لدار العـبـادة وبيـت الإلـه وطقوس العبادة به مثل إشعال الشموع واستعمال البخور ومناطق قدس الأقداس وغير ذلك الكثير …
وكثيراً ما يرجع بعض العلماء الغربيين هذه التأثيرات التصوفية لجماعات الأسينيين اليهودية فى جنوب فلسطين..إلا أن هؤلاء الآسينيين أيضاً قد رجح العلماء أن نشأتهم كانت بالإسكندرية المصرية وأن أساتذتهم كانوا من أطلق عليهم (المتنطسين) الذين عاشوا حياتهم الصوفية فى مصر قرب بحيرة مريوط§..وهو أمر يؤكد على أن المصدر والمنبع الرئيسى لهذه الروحانية فى التعبد لطالما كان فى مصر..مما يستدعى إلقاء الضوء على هذا المنبع المصرى فى جزء لاحق من هذا الباب.
وترجع أهمية التوافق فى الرؤية الصوفية بين العقيدتين المصرية القديمة والمسيحية فى هذا البحث إلى أن هذا الحس الروحانى والصوفى لم يكن بمعزل عن الفنون التى عبرت عن الفكر الإنساني فى العقيدتين المصرية القديمة والمسيحية، بل إن هذا الحس كان بالدرجة الأولى أهم الروافد التى غذت التوجهات الفنيـة فى كل منهما بشكل عام..
* الفن المقدس هو سمة مشتركة لكل من العقيدتين أيضاً..ومثلما كانت الفنون فـى مصـر القديمة هى فنون تعبر عن العقيدة بشكل أساسى وتتْبع توجيهات الكهنة..كانت أيضاً ولا تزال الحال هكذا فى العقيدة المسيحية، ولكن فى الأخيرة حاولت الكنيسة وخاصةً الغربية أن تغير من أساليبها الفنية وتطورها بتطور المجتمعات العمرانية حولها وهو ما سوف نتعرض له تفصيلياً لاحقاً.
* بخلاف النقاط السابقة والجوهرية..نستطيع من خلال هذه النقطة أن نجمع فى طياتها العديد من المصطلحات الدينية التى يتضح تكرارها فى كل من العقيدتين المسيحية والمصرية القديمة وذلك لأن الدخول فى التفاصيل الدقيقة لهذه المصطلحات سيكون غير ذى جدوى، إلا أن الإشارة إليها يعضد من توجه البحث فى مقارنته..، ومن هذه المصطلحات: الأسرار المقدسة - آلام الإله (الرب عند المصريين) - الخطيئة الأولى - الوعد بالإله المخلص - نظرية الخلق فى ستة أيام وجلوس الإله على عرشه فى اليوم السابع - تحول الإنسان الصالح بعد مماته إلى روح مقدسة تحيا مع الأرباب أو الإله - مماثلة الشكل الإنساني لصورة الإله - الكل فى واحد والواحد فى الكل….وغير ذلك الكثير..الذى قد يشير إليه البحث فى أجزاء لاحقة ومختلفة عند الحاجة إلى ذلك.
** ومما سبق من الاستدلالات سواء التى أشارت إليها مختلف الأبحاث العلمية فى مجال الأديان المقارنة وعلم المصريات أو الاستدلالات التى حاول البحث الوصول إليها بشكل منفرد وهى جميعها على علاقة وطيدة بمنابع الفكر الرمزى لدى الشخص المسيحى وخاصةً المصرى..ولغير ذلـك الكثير من التوافقات والتشابهات فى القصص والرؤى والأفكار بين كل من العقيدة المصرية القديمة بشكلها العام والعقيدة المسيحية قبل الشرقية بشكل خاص ..لا نستطيع أن نرجع مثل هذه التوافقات إلى الصدفة، وإنما يتضح جلياً أثر العقيدة المصرية القديمة بكل أفكارها وقصصها ونظرياتها ورؤيتها لعلاقة الإنسان بالإله على العقيدة المسيحيـة - مـع اخـتـلاف الصيـغ - تلك العقيدة المسيحية التى كان أول ظهورها فى منطقة قد تسيدت مصر عليها منذ قديم الأزل ووصلت سيادتها وروافدها الفكرية الى قلب الحضارات الغربية المعاصرة لها واللاحقة بها...
ومن الصحيح أن تأثر مفردات العقيدة المسيحية الفكرية والفنية فى قرونها الأولى بثقافات وحضارات أخرى غير مصرية هو أمر وارد حيث أن هذه الديانة انتشرت فى شتى بقاع الأرض§ وليس فى ..أو من مصر فقط. ..ولكننا فى هذا البحث نحاول أن نخصص جهودنا فيما يتعلق بالكنيسة الشرقية المصرية بشكل خاص والتى كانت أولى الكنائس الشرقية المخالفة مفكرياً للكنائس الغربية.. الأمر الذى يميزها عن غيرها، كما أن أوجه التشابه التى وردت فى البحث تمس بالدرجة الأولى عصب العقيدة المسيحية والتى لا يمكن نكران قوة تشابهها بالعقيدة المصرية القديمة ذات الجذور العميقة تاريخياً..وفى ذلك يقول عالم المصريات (بترى فلاندرز) "لو أننا حاولنا أن نستعين بخيالنا لإدراك الحقائق التاريخية فتصورنا أن الإيمان بالثالوث المقدس لم يمحض وأن الرهبنة لم يكن لها أثر وأن الطفل يسوع المحمول على ذراع أمه العذراء ظل مجهولاً فى العبادة وفى الفن..لو تخيلنا هذا كله لأدركنا ما أحدثته مصر من أثر فى المسيحية وكيف أن هذا الأثر بعيد كل البعد عن التعاليم اليهودية"1· .
ويتضح أيضاً جلياً كما افترضنا من قبل أن ما يعرف بالأسلوب الرمزى فى الفكر المسيحي ليس وليد عصره وإنما له جذور مصرية ثم شرقية قديمة وهذا الأسلوب قد جاء فى سياق تأثر عام بالثقافة المصرية القديمة ولم يكن قاصراً على الفن وإنما كان الفن هو أحد المجالات التى مارس فيها الفنان معطيات تاريخه ومجتمهه الفكرية.. ثم إذا كانت هذه النتائج قد وضّحت بعض الشيء عن أصول هذه الرمزية المسيحية فيبقى لنا أن نحاول تتبع تطور هذا المفهوم الرمزى عند المسيحيين وذلك من خلال تطور الفلسفة وهى إحدى أهم الأنشطة الفكرية التابعة لمسألة العقيدة وهى أيضاً التى سيطرت على المجتمعات الشرقية بشكل خـاص..وذلـك من خلال المقالات التالية ان شاء الله
.د.زينب نور
-----------------------------------------------------------------
الهوامش
§ فى كتابه الشهير أثينا السوداء - المجلس الأعلى للثقافة - 1997 .. بالباب الرابع – (العداء لمصر فى القرن الثامن عشر).
¨ A Short History of The World – Wells – p178-190 – عن د.أحمد شلبى بكتاب (المسيحية) – مكتبة النهضة المصرية – الطبعة العاشرة - 1993 - ص 147.
· 1 – فى كتابها قبطى فى عصر مسيحى - المجلس الأعلى للثقافة - 2003 – ص 8.
· 2 – إبراهيم سلامة ابراهيم – فى ترجمته لكتاب باربرة واترسون – اقباط مصر - الهيئة المصرية العالمة للكتاب - 2002 – ص 55
.
· 1 – فى كتابه حياة المسيح - الهيئة المصرية العامة للكتاب - 2003 – ص 143 .
· 2 - د. سيد عويس - الخلود فى التراث الثقافى - الهيئة المصرية العامة للكتاب - 1999 - ص 54 ، وغالباً يقصد الكاتب مارتن لوثر مؤسس المذهب البروتستانتى.
* جفرى بارندر - المعتقدات الدينية لدى الشعوب - مكتبة مدبولى - 1996 - ص48 .
© د. وسيم السيسى - مقال (مصريات) الثابت بمجلة روزاليوسف - العدد 3964 ..وأهم الطوائف اليهودية التى تؤمن بعدمية الآخرة هم (الصدوقيون) الذين كانوا لا يأخذون إلا بالكتب الموسوية الأولى– عباس محمود العقاد – حياة المسيح - الهيئة المصرية العامة للكتاب - 2003 – ص 43.
* "والتى أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها آيةً للعالمين" الأنبياء 91 – وعن تعبير النفخ فى الروح نجد أنه عند المصرى القديم يعنى لفظ (شمّو) الخلق بينما (نِسمة) تعنى النَفَسْ ..ومن هنا جاء اسم (شم النسيم) والذى كان يمثل عيد الخلق عند المصرى القديم حيث الإله قد خلق الكائنات من روحه.. (د/سيد كريم رائد تخطيط المدن وباحث بعلم المصريات – برنامج تلفزيونى عن عادات وتقاليد يوم القيامة – قناة دريم الفضائية الثانية – 2004) ،ولذا دائماً ما نجد فى الرسوم المصرية الأرباب تقدم مفتاح الحياة للملوك عند أنفهم دلالةً على نفحات الإله المهداة إليه.
§ إيريك هورنونج - فكرة فى صورة - الهيئة المصرية العامة للكتاب - 2002 - ص80 .
¨* ألفريد.ج.بتلر - الكنائس القبطية القديمة فى مصر - الهيئة المصرية العامة للكتاب - 1993 - ص80 ..ويرى بتلر فى ذلك عند أوروبيين العصور الوسطى ذوقاً فاسداً وخيالاً مريضاً وذلك لشدة بشاعة هذه الصور (كما رآها هو) غير أن الأمر بالنسبة للباحثة لم يكن بهذه البشاعة فى تصوير المصريين القدماء البسيط فى تفاصيله..ولكن تجدر الإشارة إلى أنه مع مزيد من الاكتشافات الأثرية الحديثة التى تعود للأقباط بمقبرة باويط اكتشفت لوحات جدارية لملائكة يعذبون الأشرار وهى من الأعمال النادرة (أ.د.عزت قادوس ود. محمد عبد الفتاح) - الآثار والفنون القبطية - دار المعرفة الجامعية - 2000- ص137.
¨ جفرى بارندر - المعتقدات الدينية لدى الشعوب - مكتبة مدبولى - 1996 - ص 130 .
· 1 - المستشار/ محمد سعيد العشماوى - بحث (الرسالة المصرية) - الجزء الثانى بمجلة روزاليوسف -العدد 3927 -ص 59 .
© رندل كلارك - الرمز والأسطورة فى مصر القديمة - ص78،وهذه المقارنة من الاجتهادات الخاصة بالباحثة .
§ جفرى بارندر - المعتقدات الدينية لدى الشعوب - مكتبة مدبولى - 1996 - ص36 ، ويوضح المؤلف أن السومريين كانوا يضعون الآلهة فى مجموعات منها ثلاثية ولكنها لم تكن لها مدلول الثالوث المقدس الذى عرف فى مصر القديمة..وهو ما يوقع بعلماء الأديان المقارنة فى الخطأ..
¨ بشهادة المؤرخ اليونانى القديم هيرودوت فى كتابه (التواريخ)..وهو استنتاج يمكن تتبعه بوضوح فى قراءة الأساطير الإغريقية.
§ فى اللغة اليونانية كانا حرفا الياء والسين يضافان فتصبح الأسماء (أوزيريس - إيزيس - حوريس) .
§ª ويرجح بعض المؤرخين والباحثين أن أوزير هو تصحيف لإسم إدريس النبى الذى ذكر فى القرآن الكريم(مارتن برنال – أثينا السوداء - المجلس الأعلى للثقافة - 1997 – ص 270)، "واذكر فى الكتاب إدريس إنه كان صديقاً نبياً.ورفعناه مكاناً علياً" (مريم) وهناك من المفسرين المسلمين من يقولون أن المقصود برفع إدريس مكاناً علياً هو تحرير روحه بينما يكون الجسد قد فنى مثلما حدث فى واقعة رفع السيد المسيح فى فهم المسلمين (محمد سعيد العشماوى- العدد 3931 من روزاليوسف)..وفى الأسطورة المصرية كان هناك أربعة إخوة (أوزير-إز-ست-نفتيس) وهم جميعاً أبناء جب رب الأرض ونوت ربة السماء ،وست قد عرف برب الشر ومنه قد اشتق اسم Satan فى الغرب..
§ يقول الدكتور مسلم شلتوت..رئيس مجلس بحوث الفضاء المصرى أن الفتحة التى تخرج من حجرة الملك بالهرم الأكبر وتتجه نحو السماء هى بمثابة تلسكوب مزولى يتجه نحو مجموعة كواكب الجبار حيث اعتقد المصريون القدماء أنها موطن (أوزير)..بينما يتجه التلسكوب الآخر والخارج من حجرة الملكة نحو نجم الشعرى اليمانية حيث اعتقدوا أنه موطن (إز)..،ومن الحقائق العلمية أن الثلاثة نجوم بمجموعة الجبار عندما يشرقون فى الصيف يكون نجم الشعرى أسفلهم مباشرة ..وهو التوقيت الذى يحدث فيه الفيضان ..وهو ما عرفه المصريون القدماء..وذلك الفيضان قد ذكرت الأسطورة المصرية أنه جاء من دموع (إز) لدى حزنها على زوجها..ويتضح أن هذا التفسير إنما هو تفسير رمزى يقف وراءه علم عميق (تصريح بقناة التنوير الفضائية المصرية– 2003)، والجدير بالذكر أنه فى نفس هذه التصريحات وبغيرها لعلماء آخرين أن توزيع وموقع الأهرامات الثلاثة الكبرى بالجيزة هو نفس توزيع وموقع نجوم الجبار الذى كان ذات يوم فى سنة 10500 سنة ق.م..(أورين ألفا-أورين جاما – أورين بيتا)، أى أن المصرى القديم عندما أنشأ هذه الأهرامات فى 2600 ق.م ..كان ملماً بأسرار الفلك التى كانت قبله بحوالى 8000سنة،وهكذا كانت أمور العلم لديه والدين على قدم المساواة من حيث الأهمية ..والتداخل من حيث الأسباب والنتائج..كما يتضح أن موقع هذه الأهرامات الثلاثة هو موقع (مختار) لأهميته الرمزية.
· 1 - مانفرد لوركر - معجم المعبودات والرموز فى مصر القديمة - مكتبة مدبولى - 2000 - ص 63 .
¨ عن السيد المسيح بكتاب جيفرى بارندر - المعتقدات الدينية لدى الشعوب - مكتبة مدبولى - 1996 ص 95،وتجدر الإشارة إلى مقارنة المؤلف بين هذه المقولة وبين أسطورة رومانية ،غير أن الباحثة وجدت فيها ما هو أقرب فى الأحداث للأسطورة المصرية الأقدم منها الى الرومانية و نلاحظ فى المقولة نفسها التأثر بالتراث المصرى واضحاً.
§ الآب كلمة سريانية تعنى الله..ولكنها فى المسيحية يراد بها ما يقابل الإبن (د/ أحمد شلبى – المسيحية – مكتبة النهضة المصرية – 1993 - ص 131)..ولكن ليس بالمعنى المادى (النسل) للكلمة..ولكنها تنم عن المحبة والوحدة فى الذات بين كل من الآب والإبن.
©1 - فى كتابه المعتقدات الدينية لدى الشعوب - مكتبة مدبولى - 1996 - ص74 .
· 2 - رندل كلارك - الرمز والأسطورة بمصر القديمة - الهيئة المصرية العامة للكتاب - 1999 - ص 28،ويشير المؤلف فى كتابه بشكل عابر من أجل الوصف فقط إلى تشابه زى نوع من الكهنة المصريين القدماء بزى الشماس فى الكنيسة..إلا أنه من الأكثر أهمية هنا الإشارة إلى أن مسألة إقامة القداس بالكنيسة وتناول الأفخاريستا (الكأس التى تحوى دم المسيح..رمزياً) به نوع من التمثيل أيضاً ولكن مع اختلاف المضمون بالطبع،كما أن القداس يقوم الكاهن الكبير فيه بمباركة الخبز والنبيذ فى حين يقوم الشمامسة بالأداء الصوتى للترانيم..أى أن القداس الكنسى أيضاً يتم بأداء نوعين مختلفين من الكهنة ..وهو تشابه تجدر الإشارة إليه أيضاً..، ومثل هذه الطقوس التمثيلية التى انتشرت فى كنائس الغرب لاسيما فرنسا فى القرون الوسيطة كانت من أهم ما أدى إلى إعادة إحياء التمثيل المسرحى غلى العالم الغربى.
§ المستشار /محمد سعيد العشماوى – بحثه المطول (الرسالة المصرية) بمجلة روزاليوسف – العدد (3932).
· 3- د.أحمد شلبى - المسيحية – مكتبة النهضة المصرية – 1993 - ص148، والمؤلف يعتقد أن تمسك الكنيسة الشرقية (الإسكندرية) بمبدأ التثليث هو لتأثرها بالتراث الوثنى المصرى القديم..ولكن الباحثة تعتقد أنه على العكس من ذلك أنه إذا كانت نظرية التثليث قد أثرت بالفعل فى المسيحية بوجه عام إلا أنه فيما يخص هذه الجزئية (أى الطبيعتين البشرية والإلهية المنفصلتين للسيد المسيح كما كان الأمر لأوزير) فإن فى رؤية كنيسة الإسكندرية ابتعاداً مقصوداً عن هذا التراث حيث رأت كنيسة الإسكندرية أن للسيد المسيح طبيعة واحدة اتحد بها اللاهوت بالناسوت..أما التثليث فكان من الممكن أن يصير تثليثاً ولكن مع وجود طبيعتين منفصلتين للسيد المسيح وهو ما أخذت به الكنيسة الغربية فيما بعد.
§ - ول ديورانت – موسوعة قصة الحضارة – جزء 11- قيصر والمسيح - مكتبة الأسرة - 2001 – ص 392.
¨ - ميخائيل مينا – علم اللاهوت بحسب معتقد الكنيسة القبطية الأرثوذكسية – مطبعة الأمانة – 1938 - ص 584.
· 1 – عباس محمود العقاد – حياة المسيح - الهيئة المصرية العامة للكتاب - 2003 – ص 106 .
§ ما يستدعى الانتباه فى هذا الأمر هو أن الملك الحاكم لمصر كان فى حكم المفوض الإلهى لحكم البلاد أو بمعنى آخر خليفة الإله على الأرض..فكان مقدساً وذلك دون أن يُعبد كما يظن الكثيرون أو كما كان يحدث فى حضارات قديمة أخرى..ولقد عرف هذا التقديس فى مجتمعات عديدة بل وحتى بالقرون الوسطى فى أوروبا التى كان الملوك يتوجون بها بإرادة وتفويض الكنيسة ذاتها ..وحتى فيما بعد ذلك فنجد على سبيل المثال أن "لويس الرابع عشر كان ملكاً مؤلهاً اقترن بالشمس Le Roi Soleil" مارتن برنال – أثينا السوداء - المجلس الأعلى للثقافة - 1997 – ص 314 ، كما أنه يجدر التذكير أن السيد المسيح حين بشر بتعاليم التوراة قد أشار إلى أنه ملك اليهود المنتظر.
· 1 - الرمز والأسطورة فى مصر القديمة – الهيئة المصرية العامة للكتاب – 1999 - ص 176 .
* حيث تخيلوا ربة السماء أنثى والرجل أرضاً يستلقى أحياناً على وجهه وتنبت الأعشاب على سطح ظهره بينما تميل عليه السماء من أعلى..وهذا التخيل يرجعه البعض إلى أن كلمة (السماء) فى المصرية القديمة كانت مؤنثة وكلمة (الأرض) مذكر..غير أن هذا التفسير قد يكون هناك ما يضاف إليه عند المصريين ولا نعلمه الى الآن،ولكن تجدر الإشارة إلى أن المصرى القديم تصور ربة السماء فى شكل أم وأنثى أو بقرة تبتلع الشمس فى الغروب وتلدها فى الشروق وربما يكون ذلك عاملاً إضافياً لتأنيثها..،كما أنها فى روايات أخرى كانت تبتلع أولادها النجوم..وهو ما يذكرنا بأسطورة التهام كرونوس الإله اليونانى لأولاده..وهى جميعها أساطير ترمز إلى معان كثيرة اختلف حولها العلماء.
© مانفرد لوركر - معجم المعبودات والرموز فى مصر القديمة - مكتبة مدبولى - 2000 - ص 183 .
· كانت (حتحور) أماً وزوجة (لحور) الأول وسميت مسكن (حور)..إلا أن هذه الإزدواجية لم تذكر قط عن علاقة (إز) بحور إبنها من (أوزير).
§ تجدر الإشارة هنا أيضاً إلى الفارق الكبير فى الأهمية أو القدسية بين كل من دوموزى أو تموز أو أدونيس عند اليونان ..وبين أوزير المصرى الذى لم يقدس على المستوى المحلى فقط وإنما على المستوى العالمى الشعبى والرسمى..والذى لم يأفل نجم تقديسه حتى القرن السادس الميلادى.
¨ ألفريد.ج.بتلر - الكنائس القبطية القديمة فى مصر - الهيئة المصرية العامة للكتاب - 1993 - ص 75، وهكذا الحال بالنسبة لمشهد الراعى الصالح فى التصوير..إلا أن هذه المشاهد كانت متواجدة فى الكنائس الغربية ومنها مشهد إرضاع العذراء للسيد المسيح، إلا أنه تجدر الإشارة إلى أن مشهد (الصلبوت) أعيد استخدامه فى وقتنا المعاصر بالكنائس الأرثوذكسية القبطية بل وفى منطقة الهيكل الرئيسى ذاتها..وربما يرجع ذلك إلى ثقة الكنيسة الأرثوذكسية فى أن ذلك لم يعد ليؤثر على إيمان تابعيها وخاصة بعد استقرار الأمور لقرون طويلة من الزمان.
©§ - فى كتابه الخيال الرمزى – ترجمة على المصرى – المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع – بيروت - 1991 - ص35- 36 .
¨ - فى إحدى الحوارات التلفزيونية بقناة الجزيرة الفضائية.
* د. زبيدة عطا - عن تحقيق صحفى حول ندوة موسعة برعاية لجنة التاريخ بالمجلس الأعلى للثقافة - بعنوان (دور الرهبانية فى الفكر المسيحى القديم) -جريدة الأهالى - 4 يونيو 2003
© كثيراً ما يشار إلى ميول الإنسان المصرى بشكل عام الى النزعة الدينية وخاصةً هذا الحس التصوفى الذى عندما دخل الإسلام مصر كان له أيضاً أبلغ الأثر على الصوفيين الإسلاميين فى شتى أنحاء العالم..ولعل هذه الميول هى إرثُ مصرى قديم.
§ عباس محمود العقاد – حياة المسيح - الهيئة المصرية العامة للكتاب - 2003 – ص 73 .
§ من أهم الديانات التى عرف عنها قرب العديد من مفاهيمها وقصصها وطقوسها إلى العقيدة المسيحية هى الديانة المثراسية نسبةً إلى الإله مثراس Mithras ببلاد فارس وهى من مراحل الديانة الزرادشتية المتأخرة أى بضعة مئات من السنين قبل الميلاد (ول ديورانت - قصة الحضارة – قيصر والمسيح – الهيئة المصرية العامة للكتاب – 2001 - الجزء 11 - ص 149،150) ،وبالرغم من إشارة المؤلف لهذا التشابه الذى روع الآباء المسيحيين فى القرون المسيحية الأولى منه إلا أنه يستطرد فى نهاية حديثه عن هذا التشابه بقوله (وليس من السهل أن نعرف أى الدينين أخذ عن الآخر،ولعل الاثنين قد تسربت إليهما أفكار كانت وقتئذ منتشرة فى جو بلاد الشرق) ، وبالرغم من عدم ذكره أى شرق ذلك الذى يقصده إلا أننا لا نستطيع إبعاد الفكر المصرى القديم بل والأقدم بكثير فى هذا الشأن..كما أنه من اللافت للنظر عدم قدرة هذا الفكر الفارسى الأصل على تكوين كنيسة محلية قوية وراسخة إلى يومنا هذا كما حدث فى كنيسة الأقباط الأرثوذكس التى تمثل حلقة التواصل التراثى والفكرى بين المصرى القديم وبين المسيحية كما حدث على أرض مصر..والتى كانت نتاجاً طبيعياً لتأثير الروافد التراثية المصرية القوية..على الإنسان.
· 1 - عن مقال لعلوانى مغيب - بعنوان ( المصريون أمة الديمقراطية الدينية ) - ملف (مصر أولاً وأيضاً قبل الجميع) - مجلة روزاليوسف - العدد 3911
Comments