الكنيسة القبطية ..انتصار للشخصية المصرية 1

بعد وفاة الإسكندر الأكبر فى 323 ق.م وتحول مصر إلى دولة بطلمية ازداد انتقال الجموع الغفيرة من أهل اليونان للعيش بمدينة الإسكندرية والتى شهدت انصهاراً غير مسـبوق فى أىٍ من مدن العالم للحضارات والثقافات المختلفة بل ودوناً عن غيرها من المدن التى سميت بنفس الاسم.. سواء التى أسسها الإسكندر أو تلك التى قد سميت بإسمه لاحقاً..ولا يستطيع أحد أن يتجاهل كون هذه المدينة ..قد أقيمت فوق أرض مصرية ..قبل قدوم الإسكندرإليها ..فهى تمثل بذلك امتداداً جغرافياً وتراثياً للحضارة المصرية القديمة والتى بالطبع قد أضافت الكثير إلى الحضارة الإغريقية فى نطاق حدودها بل وخارجها أيضاً، وكانت مدينة الإسكندرية المصرية إحدى أهم معاقل العالم الهللينستى للفكر والفنون والعلوم ..وذلك بفضل دعم الأسرة البطلمية لهذه التوجهات ورعايتها للعلماء من شتى أنحاء العالم والذين قد استفادوا بشكل واسع من العلم والحكمة المصريـة القـديمـة ..فلقد أمر ملوك البطالمة وخاصة الأول (سوتير) والثانى (فيلادلفوس) بجمع كل ما أمكن الحصول عليه من لفافات بردية بالمعابد المصرية القديمة للإستفادة بما جاء بها من علم وحكمة كما قام الكاهن المصرى (مانيتون) بإعداد كتاب قدم من خلاله تقويماً كاملاً للتاريخ و الأسر المصرية القديمة..، ولقد تجلت ابتكارات واكتشافات هؤلاء العلماء وآراء وفلسفات المؤرخين والأدباء اليونان أو حتى من المصريين بين جدران كل من مكتبة الإسكندرية القديمة وبيت الحكمة أو ما عرف باسم (الموزيوم)
Muses
نسبةً الى ربات الحكمة الثلاث اليونانية ..وكذلك العديد من المدارس الأخرى التى انتشرت بالمدينة..وكان لهذه الأحداث مزيداً من الآثار الإيجابية التى ميزت العقلية الإنسانية التى عاشت على الأراضي المصرية سواء من الأجانب أو المصريين أنفسهم عن غيرها من العقليات..، بل والأكثر من ذلك أن مدينة الاسكندرية المصرية قد اعتبرها المؤرخون حلقة الوصل الأولى بين الحضارة المصرية القديمة وبين العالم الآخر وخاصةً العالم الغربى المتمثل فى الحضارة اليونانية الرومانية ثم البيزنطية ثم العالم العربى والإسلامى ويليهما العالم الأوروبى صاحب فكرة عصر النهضة ثم الإصلاحيون وأخيراً العصر التنويرى الحديث. وانتهى الحكم البطلمى سنة 30 ق.م عندما وقعت مصر تحت احتلال الإمبراطورية الرومانية بقيادة أوكتافيوس (أغسطس) ..وكانت لمصر من الأهمية الكبرى ..ليطلق عليها سلة غلال الإمبراطورية، وفى أثناء الحكم الرومانى لم تعد مدينة الإسكندرية العاصمة الكبرى للدولة الحاكمة كما كانت ولكنها أصبحت مجرد مدينة إقليمية تابعة للإمبراطورية..وبالرغم من أنها ظلت ذات أهمية ثقافية وتجارية..إلا أن القانون الروماني كان يقر بأن الرومانيّ الأصل هو السيد..أما الشعوب أو الولايات الرومانية مثل مصر وليبيا وفينيقيا ..فهُم عبيد، وفى ظل غياب العدالة التى طالما سعى لتطبيقها الإنسان المصرى القديم وفى ظل هذا القمع والاستغلال الرومانى للبلاد كان المواطنون الإغريق بالمدينة والذين قد أطلق عليهم قبل ذلك "السكندريون".. قد حظوْا بمرتبة أقل من الرومانيين ولكنهم كانوا فى مرتبة أفضل من السكان الأصليين للمدينة وهم المصريين..، وهذا بالطبع الى جانب الجالية اليهودية التى كان لها فى ظل الحكم الروماني بعض المزايا مما ولّد بينهم وبين السكندريين العديد من الخصومات فى بعض الفترات الزمنية..بالإضافة الى بعض الجنسيات المختلفة التى عاشت بالمدينة من فرس وشوام وأحباش وغيرهم…، وهكذا أصبح العالم فى هذه الفترة بمثابة الحلبة الكبيرة التى تتصارع فيها الجنسيات والقوميات المختلفة من أجل حياة ذليلة يهان فيها المرء ويستعبد بينما يلهو الأسياد الرومان فيها ويمرحون ويفسدون ويضحكون عند استمتاعهم السادى باقتتال ومجالدة العبيد فى مسارحهم الضخمة Colosseum.
أما المجتمع السكندري فنجد أن تكوينه الفسيفسائي قد ازداد تنوعاً..ولكنه كان بخلاف باقى الأقاليم المصرية ذى طابع يونانى بشكل عام..وحتى المصريين المقيمين بالمدينة قد تسموْا بأسماء يونانية ولبسوا لباس اليونان..وكانت الرموز الدينية والروح الأصيلة للعقيدة المصرية القديمة قد ضعفت واختلطت العديد من الأمور فيما بين شرائح هذا المجتمع، ومنذ بدايات العصر البطلمى والذى دام حوالى ثلاثمائة عام كانت قد انتشرت عبادة ما عرف باسم (سير أبيس) Serapis وهو المعبود الذى حاول الإغريق من خلاله ومنذ وصولهم إلى الأراضى المصرية الجمع بين مقدسات المصريين من ناحية ..متمثلةً فى العجل المقدس (أبيس) عند اتحاده ب(أوزير) المصرى بعالم الموتى ..وبين (زيوس) كبير الآلهة الإغريقية من ناحية أخرى..، ونصبت لهذا المعبود المعابد الكبيرة والفخمة وانتشرت عبادته الى جانب كل من إيزيس وحورس (حوريس أو هربوكراتيس أو حربوقراط فى الفترة الهللينستية) ليشكلوا بذلك الثالوث المقدس لمدينة الإسكندرية، ذلك الثالوث الذى وصلت عبادته الى كثير من أراضى الإمبراطورية الرومانية بما فيها روما نفسها بل وإنجلترا أيضاً، ولم تعبأ الإمبراطورية الرومانية بقوة وسرعة انتشار هذه العبادات طالما أنها لا تتعارض مع مصالحها. كما ظهرت فى هذا العصر العديد من المحاولات الأخرى للتوفيق بين الآلهة المختلفة وهذا الاتجاه عرف بالحركة التوفيقية Syncretism * وأصبح المجتمع السكندرى بشكل خاص مسرحاً للعديد من الأفكار والاتجاهات العقائدية التى أحدثت نوعاً من التخبط والفراغ الروحانى..وخاصةً فيما بين المصريين الذين كان لتراثهم العقائدى تاريخ عريق مخالف لهذا الشتات الفكرى، كما ظهرت فى أثناء الحكم الرومانى لمصر وخاصةً فى مدينة الإسكندرية حركات جديدة للجمع بين كل من الفلسفة ومختلف الأديان ..، فلقد كانت للفلسفة اليونانيـة أثرها على المجتمع السكندرى ..فقويت واختلفت مدارس الفلسفة فى المدينة فى العصر الرومانى. وفى ظل تداخل جميع هذه الأحداث ظهرت فى الأفق العقيدة المسيحية¨ مما جعل لها كبير الأثر على نفوس المصريين الذين ما لبسوا أن اعتنقوا هذه الديانة الجديدة وآمنوا بها إيماناً شديداً وقوياً واتخذوا من تعاليمها ما يملأ هذا الفراغ الروحانى.. وخاصةً بعد أن وجدوا بها العديد من القيم والمعانى التى قد عرفوها من قبل فى عقيدتهم المصرية القديمة (كما سوف يتم تناوله بالتفصيل لاحقاً).. وتعتقد الكاتبة أن هذه القيم وتلك المعانى التى أتت مع المسيحية قد مهدت لها القيم والمعانى المصرية القديمة المشابهة لها فى هذا الجزء الشرقى من العالم وهو ما ساعد على انتشارالعقيدة المسيحية ليس فقط فى مصر وإنما فى العالم كله..وأيضاً لأنها تدعو الى التوحيد الذى قطعاً يميل إليه العقل والمنطق وخاصةً فى ظل فترة زمنية قد انتشرت فيها الفلسفة وشاعت أدوات العقل ومدارسه بين الشعوب.. بالإضافة إلى تعاليم هذه الديانة الرحيمة التى اعتمدت على خطاب الحب والتآخى بل وبنوة المؤمن لأبيه الإله مثلما أطلق (أخناتون) على نفسه ووحده دون غيره من قبل (ابن آتون) دلالةً على الإقتراب منه وليست البنوة المادية، وعرف عن السيد المسيح قوله"لم أعد أسميكم عبيداً بل أبناء والابن يعرف ما لأبيه أما العبد فلا يعرف ما لسيده".1·، لذا اعتبر هذا الدين بمثابة الخلاص لكل الذين يعانون من بطش وظلم الرومان وخاصةً من ذوى الطبقات الدنيا من الفلاحـين والعمال الكادحين والذين رأوا أنه إذا لم يكن هناك أمل فى العدل على وجه هذه الحياة فإنه لمن المؤكد أن تمسكهم بالحق هو السبيل الوحيد لنعيم الآخرة عوضاً عن ظلم الحياة الزائلة.. كما تعتقد الكاتبة أن فى ظل هذه الأجواء القاهرة والقامعة للبسطاء من الناس فإن ظهور مخّلص ما ..لديه القدرة والرغبة والقرار فى أن يضحى بنفسه – وهو السيد المسيح - (من وجهة نظر العقيدة المسيحية) من أجل هؤلاء المظلومين ومن أجل البشرية لهو ظهور لشعاع من النور الذى يخترق الظلمات ..وهى فكرة قد تميل لها النفس المقهورة بل وترفع عنها أعباء الأحزان ..بل وتساعدها على تحمل مختلف أنواع العذاب من أجل الإلتحاق بركب الإستشهاديين والمضّحين وأولهم السيد المسيح..فالآمال هنا جديرة وقادرة على قهر الآلام، والفكرة كلها رمزية بحتة ولكنها عاطفية ومؤججة للمشاعر ومحفذة على الإيمان بها – حتى وإن كانت غير مقنعة بالنسبة لغير المسيحيين - وخاصة أن هذه الديانة أيضاً سوف تكون بالنسبة لمعتنقيها بمثابة متنفس للتمرد ورفض السيطرة العقائدية المتمثلة فى الإمبراطور الرومانى وما يتبعه من آلهة وثنية..وهذا التمرد هو أضعف صورالتمرد من حيث عدم مقدرة الإنسان البسيط على فعل أى شىء آخر وفى نفس الوقت هو تمرد من أقوى صور التمرد من حيث ثبات المؤمن على موقفه أمام كافة أنواع التعذيب والتنكيل من الطبقة الحاكمة والمتسلطة.. وإذا كانت الفكرة برمتها ..قد وجدت فيما قبل ولكن بشكل مختلف – ونقصد هنا أسطورة أوزير المصرى – فإنه ولابد أن تكون هذه الفكرة الأقدم قد مهدت لكافة شعوب المنطقة الشرقية ومن بعدها الغربية والتى كانت هى الأخرى قد تأثرت بالتراث الشرقى ..فهى قد مهدت إذاً للشعوب إمكانية تقبل ..بل والإيمان بالقصة الجديدة..، وإن هذه الحالة المتردية للشعوب لم تكن فى مصر فقط وإنما فى أنحاء الإمبراطورية الرومانية التى فَجُرت فى كافة أشكال السلطة والمجون والبطش..حتى جماعات اليهود المختلفة هى الأخرى كانت تعانى من بطش هذه الإمبراطورية وتعسفها فى الجباية والضرائب والإضطهاد..ولطالما قد أمل اليهود هم الآخرون فى ظهور المخلص المسيح المنتظر والذى سوف يهديهم ملكوت الأرض وما عليها..، كما أن العقيدة المسيحية باختفاء السيد المسيح (فى التاريخ المادى أو بصَلبه حسب العقيدة المسيحية) قد قويت واشتد من أزرها أكثر فأكثر..وكأن قمة البطش لم تكن لتؤدى إلا لمزيد من التشبث بأمل الإيمان والآخرة.
والجدير بالذكر أن فى مصر القديمة بشكل خاص لم تقف فكرة تضحية الرب أو السيد بنفسه من أجل خير الناس عند أسطورة (أوزير) فقط ..ف(أوزير) لم يكن موجوداً فعلياً فى كل عصر..وكل عصر يعيش فيه الانسان قد يحتاج أن يعيد ذكرى أسطورة (أوزير) بشكل شبه فعلى حتى يعيش نفس الحالة التى عاصرها أفراد آخرون فى زمن (أوزير) ..بمعنى أنه إذا كان الرب يشاطرنى آلامى من أجل الخير فإن هذه الآلام تصبح هينة علىّ ..، ولذا ظهرت مراسم وطقوس مصرية قديمة تحيى هذه الذكرى وتمثلت أهمها فى طقس (قتل الملك) وهو طقس رمزى .. كان يتم "عادة عند انتهاء الثلاثين سنة الأولى من حكم الفرعون، وعلى فترات متقاربة فيما بعد حيث كان الفرعون فى حاجة لطاقة متجددة من القوة الإلهية ولكى يتم ذلك كان يُحتفل بعيد اليوبيل، ويبدو أن تمثالاً للملك كان يُدفن فى المساء السابق"2·.. فالملك هو خليفة الإله على الأرض وناقل للحياة التى يمسك برمزها فى يده وهى (العنخ) . وعن انتشار العقيدة المسيحية فى مصر.. قيل أن مدينة الإسكندرية هى أولى المدن المصرية التى تسربت إليها الديـانة الجديدة عبر تجارة البحار وكان أول من بشّر بهذه الديانـة هو القديـس مرقـص .. أحـد الإنجيليين§ الأربعة وذلك بعد أن استقر فى منطقة حصن بابليون الرومانى بمصر لفترة كتب فيها إنجيله باللغة اليونانية وهى اللغة السائدة آنذاك، ثم انتقل الى مدينة الإسكندرية حيث كان أول المبَشَرين بالديانة المسيحية هناك هو أحد أفراد الجالية اليهودية بالمدينة. وشيئاً فشيئاً انتشرت هذه العقيدة بشكل واسع وكبير واستطاع القديس مرقص تأسيس كنيسة الإسكندرية الشهيرة (كما يرجح المؤرخون) وهى أولى وأهم الكنائس المصرية وكان هو أول أساقفتها ..وبدأ تخوف الرومان من هذه القوة الجديدة فى مقابل ضعف ولاء الشعوب للأباطرة الذين كان من المفترض تقديم القرابين بالمعابد بأسمائهم، فبدأ الأباطرة ومن والاهم سلسلة من أعمال الاضطهاد والتعذيب البشعة لكل من اعتنق هذا الدين الجديد.."وكان ذلك منذ بداية انتشار المسيحية وحتى صدور مرسوم التسامح الدينى والاعتراف بالديانة المسيحية، أى فى الفترة الواقعة بين 64م وحتى 313م"3·، ولعل أشهر شهداء المسيحية فى مصر فى تلك الفترة القديس مرقص نفسه..والقديس مينا والقديسة كاترين السكندرية. وقرب نهاية هذه الفترة الطويلة وبعد أن اشتدت وكثرت أعمال التعذيب على يد الإمبراطور دقلديانوس أطلق المسيحيون المصريون اسم (عصر الشهداء) على فترة حكم هذا الإمبراطور ومنذ بدايتها، "واعتباراً من بداية عصر الشهداء فى عام 284م، بدأت الكنيسة المصرية عصرها،وبدأت فى تطويع التقويم الشمسى¨ المصرى للدخول إلى مرحلة جديدة سميت (التقويم القبطى)"4·..، كما أن اللغة القبطيــة هى إحدى الأطوار الأخيرة للغة المصرية القديمة بكتابتها (الديموطيقية) حيث كتبت بالحروف اليونانية بعد إضافة سبعة حروف لضبط النطق بها أو للتنوين..أى أن اللغة القبطية هى بمثابة (الكلام) المصرى القديم فى آخر أطواره ولكنه مدون بالأبجدية اليونانية.. وبذلك تكون اللغة القبطية من أوليات النماذج التى تجسد التزاوج بين الحضارتين المصرية القديمة واليونانية..أى الشرق والغرب، والجدير بالذكر أنه قد ثبت أثرياً أن هذه اللغة قد استخدمت قبل المسيحية ذاتها..ثم ما لبثت أن أصبحت اللغة الأكثر أهمية لكنيسة الإسكندرية بعد هذه الأحداث السابق ذكرها..ثم اللغة الرسمية لها بعد 451م. ويلاحظ بالنسبة لملابسات انتشار المسيحية فى العالم بوجه عام وفى مصر بشكل خاص أن أعمال التعذيب تلك والتى يقال أنها انتشرت بمصر أكثر من غيرها ..كانت الى جانب الأسباب السابق الإشارة إليها من أهم ما دعم انتشار هذه الديانة الجديدة..فكما سبق وأوضحنا بالفصل الأول من هذا الباب مدى تعلق المصرى بدينه واعتباره محور حياته..فإذا كان من الجائز التحمل والصبر على بطش المستبدين حتى وإن كان ذلك فى مجال لقمة العيش إلا أنه لا يستطيع البتة التهاون فيما يتعلق بعقيدته التى تمثل له السبيل للخلاص. فكأن التمسك بهذه العقيدة كان بمثابة ثورة على الحكم الرومانى الظالم والمستبد..وفى مقابل هذا التمسك وتلك التضحيات كان على الأباطرة الرومان أيضاً بذل مزيداً من المحاولات فى اخضاع هذا الشعب إليهم وخاصةً لأن مصر وكما سبقت الإشارة كانت تمثل سلة غلال الإمبراطورية الرومانية. وبعكس الذكاء اليونانى الأقدم منها لم تستطع هذه الإمبراطورية الرومانية المستبدة تفادى الاصطدام بهذا الواقع، والحقيقة أن هذه الشخصية المصرية المتمسكة بعقيدتها وديانتها على ارتباط وثيق بالشخصية الفنية للكنيسة المصرية أيضاً..فروح الثورة تلك هى أهم ما عرف عن كنيسة الإســــــكندرية ..وهى أولى الكنائس المصرية وهو أيضاً ما جعلها فيما بعد أهم كنائس المشرق والعالم على المستوى الفكرى وليس السلطوى*..، فبعد وصول الإمبراطور (قنسطنتين) Constantine إلى العرش وبعد إصدار مرسوم التسامح والاعتراف بالديانة المسيحية فى 313م..وأيضاً بعد انقسام الإمبراطورية وتحويله عاصمتها من روما الى مدينة القنسطنطينية (إسطنبول حالياً) فوق مدينة بيزنطة..أصبحت مصر إحدى الولايات البيزنطية..ودخلت كنيسة الإسكندرية فى مرحلة جديدة للصراع مع السلطة الأجنبية حول الكثير من المسائل العقائدية والفلسفية للديانة المسيحية.
--------------------------
الهوامش
* أ.د. محمود سعيد عمران - تاريخ الإسكندرية عبر العصور - محافظة الإسكندرية - 1999 - ص87 . ¨ ترجع كلمة المسيح إلى (محسيح بالعبرية) التى وردت فى كثير من المواضع بالعهد القديم وترجمها اليهود الذين كتبوا الترجمة اليونانية السبعينية للتوراة (حوالى 280ق.م) باللفظ اليونانى Christos أى الذى صب عليه الزيت المقدس أو مسح به - ول ديورانت –قصة الحضارة - قيصر والمسيح - مكتبة الأسرة - 2001- المجلد 6 - الجزء 11 - ص181، ويقال أن أول من أشاع استخدام هذا اللفظ لعيسى بن مريم هو القديس (بولس).. ويلاحظ أن طقس المسح بالزيت هو طقس جنائزى مصرى قديم للملك وللموتى قبل استخدامه عند اليهود..،بينما ترجع كلمة يسوع لكلمة يوشع أو يشوع الأرامية بمعنى المخلص – د.أحمد شلبى – المسيحية – ص47، ويسوع المسيح يرجح المؤرخون مولده قبل السنة الميلادية بحوالى أربع سنوات.
· 1 - د.إيزاك فانوس - أستاذ فى الفن القبطى وخريج كلية الفنون الجميلة (قسم النحت) -حاصل على الدكتوراه فى الفن القبطى من جامعة (سان سيرج) بفرنسا - فنان قام بتصميم وتنفيذ العديد من الأعمال الفنية ذات الطابع القبطى الحديث فى مختلف الكنائس القبطية داخل وخارج مصر - حديث شخصى /أكتوبر 2003 .
· 2 – مانفرد لوركر – معجم المعبودات والرموز فى مصر القديمة - مكتبة مدبولى - 2000 – ص 16 . § أى أحد القديسين الذين كتبوا الأناجيل الأربعة المعترف بهم من قبل الكنائس الرسمية الكبرى ..ولفظ إنجيل باليونانية يعنى البشرى،والبشيرين الأربعة هم (متىّ - مرقص - لوقا - يوحنا الملائكى)،ويرجع أصل مرقص الى يهود شمال إفريقيا (ليبيا) ومن ناحية أخرى هو أحد السبعين رسولاً للعقيدة المسيحية وهو أهم الشخصيات المقدسة فى تاريخ الكنيسة القبطية،كما أنه أحد أهم ثلاثة قديسين قاموا بنشر العقيدة المسيحية ووضع تعاليمها وقواعد لاهوتها وهم (بولس-بطرس-مرقص) · 3 - أ.د. محمد محمد مرسى الشيخ -مقال بعنوان (الإسكندرية والمسيحية) - تاريخ الإسكندرية عبر العصور - محافظة الإسكندرية - 1999 - ص80 . ¨ يلاحظ أن المصريين القدماء هم الوحيدين فى عصرهم القديم الذين استخدموا التقويم الشمسى الى جانب التقويم القمرى الذى استخدمته أغلب الحضارات القديمة..فى حين أثبت العالم الحديث دقة التقويم الشمسى. · 4 - مختار السويفى - أم الحضارات (2) - الدار المصرية اللبنانية – القاهرة – أكتوبر 1999 - ص 61 .
* ليس صحيحاً كما يشاع فى بعض المراجع ذات الأصل الأجنبى أن كنيسة الإسكندرية كانت تابعة للإغريق الموجودين بالمدينة أو أن أغلبية الذين اعتنقوا المسيحية فى بدايتها كانوا من جمهور المثقفين أو من غير المصريين ..وذلك بسبب أن أغلب الكتابات آنذاك كانت باليونانية، فهذه اللغة كانت لغة العلم والمعرفة فى ذلك الوقت ولقد استخدمها الآباء الأوائل قبل استعمال اللغة القبطية (ابراهيم سلامة ابراهيم- ترجمته لكتاب اقباط مصر - عن بربارة واترسون – الألف كتاب الثانى – الهيئة المصرية العامة للكتاب – 2002- ص68)، بل ونجد أن حتى الأناجيل الأربعة كانت قد كتبت باللغة اليونانية..كما يقال أن السيد المسيح نفسه قد تعلم كيفية التحدث باليونانية وهى اللغة التى قد يكون تحدث بها مع (بيلاطس) كما توقع البعض، كما ينطبق ذلك المزيج على الأسماء اليونانية التى أطلقها المصريون على أبنائهم..فإن هذا التداخل كان نتيجة طبيعية للتزاوج الحضارى الذى حدث على أرض الإسكندرية فنجد أسماء شهيرة مثل القديس آمون أو الأسقف الإسكندر..وغيرهم العديد من المثقفين المصريين الأصل ذوى المعرفة المؤثرة فى العالم وأسمائهم يونانية..مثل أفلوطين وبانطانيوس وأوريجينوس..مما يعنى أنه عند دخول العديد من المصريين فى الديانة المسيحية بدأت مدينة الإسكندرية فى التمصر وذلك من خلال دور الكنيسة القوى الذى لعبته فى أحداث هذه الفترة..وأخرجت للنور ما يعرف بالحضارة القبطية سليلة المصرية.

Comments

Popular posts from this blog

عبقرية الرمز القبطى - بحث فى جذوره المصرية

ما وراء الرمز من أسرار كونية عند المصرى القديم

ارحموا عزيزَ فنٍ ذَل