!أنا وأخويا والغريب على ابن عمى

Monuments of today are nothing but arts of yesterday ...!!!آثار اليوم ما هى إلا فنون الأمس...!!!
زمجر وكشَّر عن أنيابه الفتية وأسنانه اللبنية .. وعَبس بحاجبيه ..، وبكّفيه تقمص شخصية الوحش الكاسر وقال لى فى أذنى بصوت رخيم مُفجع.. "أنا الشرير القوى ... أنا إيمحوتب الشريـيييـــــر" كان هذا الوحش الفظيع هو ابنى الجميل "أدهم" ذى الخمس سنوات ..، فأصبت بصدمة عصبية وقلت فى نفسى : "يا نهار إسود!!!!"..، ولكننى رجعت فتمهلت وهدّأت من أعصابى ..واقتربت منه وسألته بلطف وابتسامة حذرة..، " مين اللى بيقول كده يا حبيبى؟. فابتسم فخراً بنفسه لأننى وكما يرى قد فزعت فعلاً.. ثم قال: ده إيمحوتب إللى بييجى على قناة( 3....) وبعد أن فهمت منه القصة تابعت معه فى اليوم التالى (وطوال شهر رمضان) أحداث مسلسل الرسوم المتحركة (المومياء) على قناة الأطفال
( 3....)
لأجد أمامى إعادة للفيلم الأمريكى الذى تم انتاجه فى جزئين متتاليين وهما :المومياء)
The mummy
سنة (1999)،ثم عودة المومياء
The Mummy Returns
سنة (2001) ..، وهما من إخراج وتأليف (ستيفن سومرز) ويمثلان إعادة صياغة لفيلم (المومياء) الذى تم إنتاجه سنة (1932).. وباختصار .. فإن أحداث هذين الفيلمين تدور فى الربع الأول من القرن الماضى.. حيث يقوم بدور البطولة بهما كل من (برندان فريزر وريتشيل وايز) ، وبحسب رأيى المتواضع فإن فريق الفيلمين يريد أن يجعل من هؤلاء الأبطال الوهميين أبطال حقيقيين..، فبالرغم من التنويه الذى يبدأ به كل فيلم منهما.. والذى يُعلم الجمهور بأن هذه الأحداث لا تعبر عن التاريخ الحقيقى..(وذلك فى الأفلام السينمائية فقط وليس فى المسلسل الكارتونى)، إلا أن هناك نية متعمدة وواضحة فى تشويه التاريخ المصرى القديم..تشويهاً مدروساً.. وسوف أحاول توضيح ذلك بعد سطور. فهذان البطلان - المفترض أنهما طيبان - يقفان فى وجه الكاهن الأعلى للملك (سيتى الأول) – حسب الفيلم – وهذا الكاهن يدعى (إيمحوتب) .. وهو المقصود به (المومياء) حيث يمثل شخصية شريرة تريد أن تعيد نفسها إلى الوجود وتريد أن تستحوذ على العالم وأن تقضى على الإنسانية. وجدير بالذكر أن الذى يقوم بدور هذا الكاهن الشرير هو الممثل الإفريقى الأصل أرنولد فوسلو).. الذى قام لاحقاً بدور الإرهابى الخطير مروان فى مسلسل 24 ولكن الأهم هنا أن البطلين المزعومين هما غربيين ..فكالعادة ..نجد أن الأمريكان أو الإنجليز هم خيرة القوم هذه الأيام..ففيهما قد حلت أرواح المصريين القدماء (نفرتيتى إبنة الملك سيتى الأول وهى البطلة ثم "المدجاى" حامى الأميرة وهو زوجها البطل ويدخل فى اللعبة إبنهما (أليكس) الذى تدور حوله الأحداث فى المسلسل (الكارتونى) وتفاصيل أخرى كثيرة، بينما أن الشخصية المصرية القديمة التى تظهر من خلال الكاهن الأعلى (إيمحوتب) أو المومياء هى مصدر الشر الذى يهدد العالم كله والإنسانية جمعاء.!!! وهنا نجد أن محاولات ترسيخ فكرة الشخصية المصرية القديمة الشريرة التى تجسدت فى الفرعون الذى اضطهد وطارد موسى وقومه قديماً.. تعود لتتجلى من خلال مثل هذه الأفلام فى الكاهن المصرى القديم (إيمحوتب) وغيره من الشخصيات والرموز التاريخية التى تتعمد تشويهها أياد ذات أذرع طويلة تعود حتماً إلى تاريخ بعيد وهى لطالما قد أرقتها عظمة التاريخ المصرى القديم . وبدون الدخول فى تفاصيل القصة التاريخية التى وردت سواء فى القرآن الكريم أو فى التوراة.. إلا أن التاريخ لم يفصح حتى الآن عن الشخصية الحقيقية لهذا الفرعون ولا عن جنسيته الأصلية..فكلها تكهنات غير مؤكدة، كما أن – وهو الأهم - هذا الحدث التاريخى والدينى الذى يتحدث عن فرعون وقومه لا يمكن تطبيقه وتعميمه على الواقع المصرى القديم .. الذى استمر لآلاف من السنين والذى لو أراد الله عز وجل أن يمحو آثاره عن بكرة أبيه لفعل..، فالإنسان المصرى القديم قد عاش مسالماً ومؤمناً قبل هذا الحدث وبعده.. وفى المجتمع المصرى القديم نشأت فكرة الوحدانية.. ومن تراثه تعلمت البشرية بكافة حضاراتها كيفية التقرب إلى الإله فى العبادة والعمل على حد السواء. ولست هنا بمدافعة عن الحدس الروحانى عند المصرى القديم ولا عن آدابه وأخلاقياته..فهذا أمر يطول شرحه ولا تنتهى النماذج التى تؤكد عليه..، ولكن أهم ما يجب ذكره هنا أو بالأصح التساؤل عنه هو : هل هذا الذى يعرض فى قناة أطفال تريد وتهدف إلى تعليم وتثقيف الطفل العربى .. هل هذا هو الذى يجب أن يعرض على شاشتها؟ فأولاً من الناحية الفنية والتقنية.. وبحسب موسوعة ويكيبيديا الحرة ..نجد أن هذا المسلسل (الكارتونى) لم يلق نجاحاً عندما عرض الجزء الأول منه بأمريكا سنة (2001)، وتم وقف الجزء الثانى منه سنة (2003) لعدم تحقيق جذب جماهيرى كاف..، حتى أنه لم ينسخ عدا على (دى فى دى) نسخة تجميعية تم طرحها على عام (2002)..، أى أن ما تم عرضه لشهور سابقة وطوال شهر رمضان على هذه القناة الخليجية ما هو إلا فتات الإنتاج الأمريكى الهابط. وأما من الناحية الأدبية..، فبالبلدى كده ..نجد أن المصرى بجدعنته وشهامته دائماً ما يتحمأ للقريب والبعيد.. فلماذا لا ننال كل الإحترام أو حتى بعضه فيما يخص تاريخنا وحضارتنا الجميلة؟ .. لقد اتخذ الأوروبيون الإنجاز الحضارى الإغريقى تاريخاً لهم جميعاً أى أن (الصلعاء تتباهى بشعر ابنة أختها) . فلماذا إذاً نبث السموم فى عقول أبنائنا وأبناء إخوتنا؟، وللعلم فهى ليست سموماً فقط وإنما هى نكران للتاريخ والجذور وهى تشويه للرموز التى يندر إيجادها على مر تاريخ الإنسانية..، فإذا تساءلنا عن مجتمع ما قام ونهض من غفلته وفى طريقه إلى هذه النهضة قد وطأ بأقدامه على تاريخه وتراثه قاصداً بذلك نسيانه ومحوه..، لوجدنا أن الإجابة هى قطعاً صفر).. ولكن قبل أن نعيب على الآخرين فالعيب فينا حتماً وقبل كل شىء.. فكم منا نحن المصريين يعرف من هو (إيمحوتب) أو حتى غيره من الرموز المصرية القديمة التى حفرت فى ذهن التاريخ والبشرية؟..، (بلاش نعرف أحسن) . ولكن من الأحسن أن نلقى ببعض الضوء على (إيمحوتب) الأصلى.. حتى نعلم هول الموقف وحتى نعلم لماذا يتم اختيار هذا الشخص بالذات لتشويهه بهذه الصورة الواضحة والعلنية ف(إيمحوتب) الحقيقى يا أدهم يا حبيبى هو رجل علم وفن ودين ..فهو الوزير والكاهن الأعلى والطبيب والفنان والمهندس المعمارى الرئيسى للملك (زوسر) من الأسرة الثالثة..وهو الذى شيد الهرم المدرج أول بناء حجرى ضخم فى العالم بسقارة سنة (2670) ق.م تقريباً.. لقد قدسه المصريون القدماء بعد موته بمئات السنين وعُّد من أرباب الطب والشفاء..ولذا قد تحول عند الإغريق إلى (إيموثس أو اسكليبيوس)..، وهل تعلم يا أدهم يا حبيبى أن الهرم المدرج مكون من 6 مصاطب كرمز لأيام الخلق الست..، فإلى هذا الحد قد علم المصرى القديم وتعلم ..بل وأبدع تعبيراً عن هذا العلم. إن (إيمحوتب) هو بمثابة إحدى الجواهر التى تعلو تاج الإنسانية..إنه يجب أن يكون فوق الرأس.. ولذا فكل ما هو ثمين تطمع فيه الأعين وتتطلع إليه النظرات..، وإذا دخل أى إنسان على (الإنترنت) وكتب :
Imhotep
.. فسوف تخرج له عشرات إن لم تكن مئات النتائج لتعرفه تفصيلياً بهذا الرجل الحكيم..، ولكن أيضاً إذا ما كتب :
Imhotep& Joseph
..، فسوف يعلم لماذا قد يريد البعض تشويه صورة (إيمحوتب)..ولصالح من.. فمن خلال المواقع التى تقارن بين النبى يوسف عليه السلام وبين (إيمحوتب) .. سوف ندرك أنه مثلما ادعى المؤرخون الإسرائيليون أن الأهرامات هى من بنات أفكارهم وأعمالهم.. فإنهم يدعون أيضاً أن (إيمحوتب) ما هو إلا النبى الإسرائيلى (يوسف)، ولما لا ؟ ..فهم يدعون أيضاً أن (تحوت) الحكيم المصرى القديم هو (إخنوخ) وهكذا وهلم جرّ..، ومما لا أهمية له أن يسمونهم كما يشاءون.. ولكن يجب أن يعلم المصريون وغير المصريين أن هذه الأسماء العظيمة هى أسماء مصرية بالجنسية وبالانتماء إلى الوطن الذى نشأوا على أرضه وتعلموا من تراثه. فمن منا يدافع وكم منا يعلم أصلاً ليدافع.. وما هو مدى التجديد الذى يحدث فى مناهج التعليم حتى تتواكب المادة العلمية والاكتشافات الأكثر حداثة ..، إننا نتعرف على الأشياء بالصدفة بينما يدرس ويخطط الآخرون لتغيير معالم التاريخ والحقائق والبديهيات ..فى عقول أطفالنا قبل عقولنا. وللعلم فإن فيلم (المومياء) قد عرض الجزء الثالث له بعنوان (المومياء: مقبرة التنين) فى أواخر 2008، وتلك المرة كانت تتناول اسطورة مستقاة من الحضارة الصينية..فيبدو ان التغيير كان واجباً وإلا…! ، المهم هو.. هل هناك من يقف ليطالب بحقوقنا الأدبية أو ليتصدى بأفكارنا وبتاريخنا الصحيح؟ وخصوصاً لدى أطفالنا ..حماة الماضى وشباب المستقبل . وإذا كان الكثيرون من الغرباء الأجانب الموضوعيين والمنصفين هم الذين قد يعلو صوتهم بالإدانة لمثل هذه الأعمال التى تتعمد تشويه التاريخ المصرى القديم فإنه فى مثل هذه الحال أقف أنا والغريب ضد ابن عمى ..ده إذا كان يعنى ابن عمى ..، وأما الأخ الذى يروج لسموم ابن العم المزعوم.. فأدعوه للتراجع عن هذا الخطأ والذى قد يكون عن غير فهم لا سمح الله!..ولنكون أنا وأخويا والغريب على ابن عمى.!! د.زينب نور مدرس بكلية الفنون الجميلة بالزمالك – جامعة حلوان

Comments

سـردية said…
الأصدقاء الأعزاء
على وشك أن تكتمل أول خطوة في تجربة جديدة تحتاج للتواصل معها لكي تنجح
وهي محاولة البحث في منمنمات التراث المصري القديم وتقديمة بلا بسترة ولا اختزال وبلا تضخيم
فالوعي بهذا التراث والتعلم منه أحد الشروط الهامة لنهضة الأمة المصرية الذي ننشده
Ahmed Adnan said…
Dr Zeinab

This series of movies are absolute rubish historically.
Tipical American attitude towards others history.

i was disgusted when I watched them

Ahmed Adnan
Fnoon Gamila Zamalek 1989
Miss. Sosa said…
الامريكان اقدر الناس علي بيع الاوهام في فيلم سوبر مان القديم وده كان ايام الحرب البارده بينهم وبين الاتجاد السوفيتي المنهار المشهد كان بعد سوبر مان ما انقذ العالم وضع العلم الامريكي علي الكرة الارضية ودي علشان العالم يفهم ان امريكا هي العسكري الاسود اما اللي بيعملوه ف افلامهم الحديثة فهم بيشكلوا التاريخ القديم بوجهة نظر امريكية وده بتشويه اي حضارة علشان الخطوة الجاية يأصلوا لحضارة امريكا اللي متعدتش السنوات القلائل وبكده يكونا غموا عيون العالم كله وهيبدؤا بالطفل لانه راجل المستقبل والذاكرة والوجدان الجديد فلما يشكلوه امريكاني يضمنوا الهيمنه
تحياتي علي الملحوظات الجميلة وبجد مدونة رائعة واسلوب سلس

Popular posts from this blog

عبقرية الرمز القبطى - بحث فى جذوره المصرية

ارحموا عزيزَ فنٍ ذَل

الرمز فى الاسطورة المصرية القديمة1