السحر والرمز عند المصرى القديم

استكمالاً لما بدأنا الحديث عنه فيما قبل عن الرمز عند المصرى القديم ..ولكى تكتمل الصورة ..كان من الأهمية تناول مسألة السحر عند هذا المصري العظيم ..إذ لا يمكننا تجاهله بدعوى أن السحر فى حد ذاته وبشكل عام هو من أعمال “الخزعبلات” والشعوذة ولا يفترض أن يرتبط ببحث علمى..،إلا أنه فى الأبحاث العلمية الخاصة بمجال المصريات وجد الكثير من العلماء أنه لكى نستطيع التوصل إلى رؤية واضحة وشاملة للفكر المصرى القديم يجب أن نتخطى الزمان والمكان للوراء ونحاول أن نعيش هذا الفكر بكل صوره ومظاهره حتى نستطيع أن نصل إلى الفهم المثالى..وبدون ذلك قطعاً لن نستطيع بفكرنا المعاصر أن نتفهم ونفهم هذا الفكر العظيم..، أما فى بحثنا هذا فسوف تتضح فيما يلى علاقة هذا كله بالموضوع.
فلقد ظهرت العديد من المؤلفات والأبحاث العلمية فى هذا المجال والتى استطاعت أن تؤكد أن السحر عند المصرى القديم ليس مثل السحر عند غيره من الشعوب القديمة أو حتى المعاصرة..فهو عند المصرى القديم كان مقترناً بالعقيدة ..وكان بمثابة العلم ..مثل علم الفيزياء فى حياتنا المعاصرة مثلاً ولم يكن أبداً شعوذة كما أشيع عنه من قبل فئات مغرضة أو جاهلة..فالسحرة المصريون هم “كهنة وعلماء فى آن واحد،وخبراء متمرسون فى العديد من مشاكل التحليل النفسى”1•، فهم فى ذلك قد وصلوا إلى درجات من العلم والحكمة والمعرفة التى مازال العالم الحديث يبحث عنها..، ورأى المصرى القديم أن السحر هو من إحدى النعم التى قدمها الإله للإنسان لتعينه على شرور الدهر وخاصةً تلك ..غير الملموسة أو الغامضة أو ما هى فوق الطبيعة..فإذا كانت بالفعل هكذا فإنه لمن النعمة أن يكون للإنسان وسيلة أيضاً من عالم ما فوق الطبيعة للتعامل مع هذه الشرور أو الظواهر..فهى نعمة من أجل الوقاية والحماية أو الشفاء أو تحقيق توازن ما قد خل توازنه..وذلك سواء فى الحياة الأرضية أو حتى فى الحياة الأبدية حيث كان ذلك غايةً فى الأهمية لكى يستطيع المتوفى التغلب على الأرواح الشريرة التى قد تحول دون وصوله إلى جنة الخلد أو ركب السماوات.
فهو إذاً (سحر أبيض) كما يطلق عليه علماء المصريات ..حيث ندر ما وجدوا ما يشير الى استخدام سحر أسود الغرض منه إيذاء الآخرين..، ويتأكد هذا فى اطلاعنا على الكثير من الأحداث التى جاءت بالأساطير المصرية القديمة والتى تحكى كيف استخدم الأرباب أنفسهم التعاويذ السحرية من أجل التغلب على قوى الشر..
وكان السحر على هذا النسق لدى المصرى القديم علماً مرتبطاً بالدين أو العقيدة لا يتعارضان كما هو الحال فى الأديان السماوية المعروفة لدينا.. بل كان يمارس من قبل الفرد العادى والملكى على حد السواء…فالأول من أجل حماية حياته الأرضية والأبدية ويكون الكاهن هو الوسيط فى ذلك أو من خلال استخدام الطلاسم أو التعاويذ السحرية..والثانى لنفس السبب ولكن الأهم كان من أجل حماية حدود الوطن وأمنه الخارجي والداخلي..ولذلك أيضاً كانت لأعمال السحر أهمية كبرى فى القدرة على التنبؤ ودخول عالم الغيبيات..ولكن الأهم هو دخول عالم المعرفة الذى كان يمثل للمصرى القديم أوج وأسمى الأهداف فى العالم الأرضى من أجل الاتحاد بعالم السماوات..إلا أن عالم الغيبيات ذاك لم يكن متاحاً بالطبع إلا للعارفين بالله عند المصرى القديم.
والحقيقة أن تعامل هذا المصرى مع ما يعرف بالسحر لم يبدأ مع عهد الأسرات فقط وإنما كانت له أصول وجذور عميقة فى فترات ما قبل التاريخ..ثم تطور مع تطور الحضارة المصرية القديمة..”ولاشك أن الممارسات الأولى لهذا السحر كانت تستخدم (الأشكال) وهذا يفسر لنا تأثير الممارسات السحرية على إنجاز الإبداعات المتعلقة بالرسم والتصوير والفنون التشكيلية،ففى الواقع أن هذه الإبداعات لم تكن أبداً تعبر عن الفن من أجل الفن،ولكنها كانت بالضرورة تمثل ركائز سحرية”2• ، وما أشهر علاقة السحر بالرمز والتعاويذ التشكيلية ، ولذلك ومن هنا تتضح أهمية هذه العلاقة بين السحر وبين نشأة الرمز وخاصةً التشكيلى ثم تطوره بالطبع مع تطور كافة أشكال وأعمال السحر والعقيدة بل والحضارة المصرية القديمة بشكل عام ..، فلاشك أيضاً من “أن قوة تأثير الصورة أو المكتوب تنبع من الوظيفة الأدائيـة للعلاقة أو الدلالة بين الرمز ومرموزه”3•.. فوجود اسم لشيءٍ ما أو كائن ما .. قد كتب على سطح ما ..يعنى تواجد هذا الشىء أو هذا الكائن بشحمه ولحمه ..وكذا فإن تدمير هذا الاسم المكتوب يعنى أيضاً تدمير هذا الشىء أو الكائن نفسه ، ونظراً لهذه العلاقة الوطيدة بين كل من الكتابة عند المصرى القديم بالفن أو بالتشكيل - والتى سبق الحديث عنها - من ناحية ..ثم ارتباط الكتابة بالسحر من ناحية أخرى .. تبرز أهمية عنصر الكتابة التشكيلى السحرى فى الإبداعات المصرية القديمة..بل والأكثر من ذلك الأهمية المقدسة لعنصر الكتابة الذى هو بمثابة التعبير عن الكلمة الإلهية ..وهذا كله من شأنه أن يكون له أبلغ الأثر فيما بعد على شكل وإخراج الفنون التشكيلية المسيحية ولاسيما الشرقية والقبطية منها
د.زينب نور
لمشاهدة فيلم قصير عن الكهرباء فى الحضارة المصرية القديمة:
Ancient Egyptian Electricity
• 1 – (كريستيان دى روش نوبلكور) – من أشهر عالمات المصريات ..وذلك فى تقديمها لكتاب عالمة المصريات إيفان كونج - السحر والسحرة عند الفراعنة - الألف كتاب الثانى – الهيئة المصرية العامة للكتاب – 1999 - ص10..، ويعطينا الدكتور وسيم السيسى عدة أمثلة على مثل هذه الآراء عندما كان الكاهن والساحر المصرى القديم يستخدم منقار طائر أبى منجل Ibis المقدس فى وخز أماكن معينة من الجسم لعلاج آلام الروماتيزم ..فيبدو الأمر وكأن الرب تحوت قد تقمص صورة هذا الطائر لعلاج المريض..بينما فى حقيقة الأمر ليس ذلك سوى العلاج بالإبر المصرية والتى أصبحت صينية بعد ذلك ..(مقال مصريات -روزاليوسف- العدد 3955).
• 2 - كريستيان دى روش نوبل كور – فى تقديمها لكتاب عالمة المصريات إيفان كونج - السحر والسحرة عند الفراعنة - الألف كتاب الثانى – الهيئة المصرية العامة للكتاب – 1999 - ص8 .• 3 - إيفان كونج - المرجع السابق - ص16.

Comments

Popular posts from this blog

عبقرية الرمز القبطى - بحث فى جذوره المصرية

ارحموا عزيزَ فنٍ ذَل

الرمز فى الاسطورة المصرية القديمة1