ضريبة النجاح يا مصر




لا أدعىّ النجاح، فلم أنجز فى حياتى شيئاً عظيماً من
وجهة نظرى والحمد لله سوى خروج أدهم الى النور، وحتى هذا الانجاز.. ما هو الا
عملية بيولوجية بحتة لا يَد لى فيها!!!

    ولكن،وبمنتهى الصراحة
أحزن كثيراً عندما أتأمل أحوال الأصدقاء وسلوكياتهم مع أصدقائهم،
إذا كانوا فعلا أصدقائهم.!!!

أعجبنى كثيراً حديث "بيل جيتس" فى أكثر من
كتاب له "مثل قصة نجاح" عندما أقرّ بأنه دائماً ما يبحث عن الناجحين ولو
كانوا مبتدئين، فيعمل على ضمهم اليه واعطائهم الفرصة التى يبحثون عنها، فيكبرون
معه وتكبر معهم أعماله هو.

ذكّرنى ذلك برحلة كهنة الجامعات المصرية القديمة سنوياً من
جنوب مصر الى شمالها .. بحثاً عن المتميزين صغارا وكباراً فى شتى المجالات، حيث
كانوا يصطحبونهم معهم فى سفنهم النيلية.. لماذا؟؟؟

بمنتهى البساطة لأنهم كانوا يحرصون على تنمية وصقل مهاراتهم
ومواهبهم فى جامعات مصر القديمة، ليصبحون فيما بعد علماءاً وكهنةً وأدباءاً
وفنانين ومبدعين.

إن ما تفعله الجامعات الامريكية والأوروبية العملاقة
لايزيد عن تلك الفكرة فى شىء، فهم كإدارات لا يحرصون على شىء أكثر من ضم المتميزين
الى صفوف طلابهم وبدون مقابل، حتى وان كان هذا التميز فى المجالات الرياضية
البحتة، فتكبر مواهبهم وتتألق وتكبر معهم الجامعات وزناً وانتاجاً وشهرةً.

إنها وبكل بساطة قواعد بناء الحضارة فى أبجدياتها. فيخرج
الى النور من دون معاناة المبدعون ويحتضنهم المجتمع ويتشرف بهم ويشير اليهم بزهوٍ
بل ويصنع منهم نجوماً لامعةً.. وقد يكون لنجاحهم هذا ضريبةُ ما، ولكنها فى النهاية
ضريبة محتملة الدفع!! فالكل ناجح ومتحقق وان اختلفت المجالات وتعددت الدرجات.

أما فى مجتمعاتنا الشرقية الحالية بشكل عام، وفى مصرنا
الحبيبة بشكل خاص ومنذ ما يزيد عن ستين عاماً، تقف وبكل صراحة الحروف آبية
ومستعصية على كل تعبير ووصف.

إن من ينشد النجاح فى هذه المجتمعات كمن يحفر فى الصخر
بأظافره العارية، فهو يصارع من أجل النجاح وخاصةً الشريف، ليس فقط فى مواجهة مع
المجتمع الذى يراهن على الفاسدين والوصوليين ومُقمّعى "الكوسة" وأصحاب العلم
الذى لا يكيل الا "بالبتنجان، بل وحتى من الاصدقاء والأقارب وأقرب الناس
إليه.

"قل ماذا ستقدم لى ايها الموهوب، ايها البارع
والمبدع .. كى امد لك طرف اصبعى بالمساعدة، ثم لو أنك قد نجحت بماذا سيعود ذلك
علىّ أو على أىٍ من المقربين إلىّ؟؟ مع العلم أنى لا اقبل أقل من درجات القرابة
الأولى!!".

وإذا نجح؟

"قل يا صديق: مالك قد ترّفعت علينا، ولم نعد نراك متسكعاً
معنا، قسماً بأنفسنا الضعيفة لنتجاهلنك، ولنتهكّمن على نجاحك المزعوم، فتباً لهذه
الصداقة التى ستشعرنا بأننا أقل من مدعٍ مثلك"، "ما انت كنت ملقح جنبنا،
ايه اللى جدّ يعنى؟!!!"

"قل يا زميل: لست أفضل منّا فى شىء، بل على العكس
إنّا نحن الأسمى، تُرى ما هى واسطتك؟ ماذا فعلت كى تصل الى ما لم نصل اليه نحن؟،
أكيد تكون وجبّت مع حد من اياهم" ؟!!!

إن سياسة معاقبة الأكفاء ووأد الموهوبين ووضع الضعفاء والفاسدين على رؤوس المناصب
والمقاعد طوال سنوات بشكل متعمد ومنّظم، قتلت ما يسمى بالمثل الأعلى، وأغلقت
الطريق أمام كل باحث عن النجاح، لقد وأدت مشاعر الزهو الشريف والمنافسة الحميدة
وربّت لدينا جميعا روحاً من الحقد والبغضاء، سرعان ما تعالت درجاتها فوق بعضها
البعض، وسرعان ما لهثت أنفاس الجميع جرّاء المحاولات العمياء لصعودها واحدة تلو
الأخرى ولو فوق رقاب الأصدقاء والزملاء والأحباء!!!

تلك السياسة المنظمة التى حفظت للحاكمين المستبدين أماكنهم
وسلطاتهم طوال سنوات هى التى حين أتأملها وأشعر بالأسى منها والإحباط والخوف من
المستقبل، هى التى تجعلنى أدرك مدى جبروت الانسان على الأرض، جبروت الانسان الذى
من أجل مصلحته يستطيع وبكل قدرة واقتدار أن يطأ بأقدامه فوق هامات البشر ومجتمعات
بأسرها فيحطمها ويواريها تراب السافلين، وأتساءل: ما هذا الجبروت؟ كيف ولماذا خلق
الله أمثال هؤلاء، وما ذنب المدهوسة رؤوسهم؟؟؟؟؟؟

فليتبارى المحللون والمؤمنون وأنا منهم قطعاً بالتفسير!!!!

وأصدقكم القول بأنى لا انتظر هذه التحليلات ولا
التفاسير، ولا يغمر قلبى سوى الخوف والوساوس القهرية وخاصة عندما اتخيل مستقبل
الصغار!!!

ولكننى أعود واقول لا يأس مع الحياة ولا حياة مع
اليأس!!!

فليذهب مبارك وأسلافه من الحكام المصريين السابقين الى
الجحيم كل على قدر ما فعل، هذه هى دعوتى التى لا أخجل منها البتة.. ولتحيا ضريبة
النجاح وإن تخضبت بالدماء!!!

زينب نور


Comments

Popular posts from this blog

عبقرية الرمز القبطى - بحث فى جذوره المصرية

ارحموا عزيزَ فنٍ ذَل

الرمز فى الاسطورة المصرية القديمة1