الرمز فى الاسطورة المصرية القديمة1

ظهرت إبداعات الفكر المصري القديم جلية فى الأساطير خاصة تلك التي تدور حول موضوع الخلق ، وإذا كان مفهوم الأساطير لدى المصريين القدماء قد فُهم من البعض على أنه وصف لإنجازات الآلهة فى بداية العالم كما يعتقد المصرى القديم..فإن هذه الأحداث التى رسمها لنا المصرى القديم من وجهة نظر البعض الآخر ما هى إلا رموزاً تشرح تنظيم الكون وكما جاء فى معجم المعبودات والرموز فى مصر القديمة للعالم مانفرد لوركر : ” فإله الهواء ( شو ) يفصل السماء ( نوت ) عن الأرض ( جب ) وهو عمل رمزى يبرز الشعور بالسمو والانحطاط، والنور والظلام والخير والشر ، وتجدر الإشارة إلى أن تفسيره هذا قد يختلف عند عالم آخر ولكنها فى النهاية تكهنات لما قد تقصده هذه الرموز المصرية القديمة ويؤخذ فى الإعتبار عند كل ذٍكر لكلمة إله أو آلهة الترجمة البديلة المفترضة وهى الرب أو الأرباب ).
(شو) الهواء يجلس فوق (جب)الأرضويرفع أخته (نوت)السماء …. كما يؤخذ فى الاعتبار أيضاً أن لفظ ” أسطورة أو خرافة بالعربية يعنى الحديث الباطل الذى لا أصل له ، أما
myth
بالإنجليزية فهى قصة تدور حول شخصيات خارقة للطبيعة وتماثلها
Legend
وإن كانت تستخدم أيضاً للقصص الشعبية ذات الأصل التاريخى “.. (وهو ما أشار له الكاتب أحمد صليحة فى ترجمته لكتاب الرمز والأسطورة لرَندل كلارك) وبالفعل فإن هناك من الشخصيات المقدسة فى أساطير وروايات الحضارات القديمة من يرجـح العلماء والفلاسفة منذ المحاولات الأولى لتفسير الأساطير كون هذه الشخصيات المقدسة أشخاصاً حقيقيين.. كانت لهم من المآثر والبطولات والأفضال على مجتمعاتهم ما يدفعها إلى تخليد ذكراهم وتقديسهم.. وهو ما يرجح أيضاً بعض العلماء حدوثه عند المصريين الذين رأوا فى مثل هذه الشخصيات أرباباً للقيم والمعانى الجليلة التى علموها لمجتمعهم .. كما اعتقدوا بأنهم فى مثواهم الأخير سيكونون بجوار الإله الأعظم تماماً كما يتخيل الانسان المعاصر من خلال عقائده السماوية ، وأن هؤلاء الأرباب من الممكن أن يلعبوا دور الوسيط بينهم وبين الإله الواحد الذى قد لا يجرؤ الإنسان الخاطىء أو حتى العادى أن يناشده مباشرةً ، ولذلك نلاحظ أنه لازال الكثير من الإخوة المسيحيين حتى يومنا هذا يعبرون عن موت أقاربهم بجملة ” انتقل إلى أحضان القديسين “.. ومن هؤلاء الأرباب المصريين الذين يُعتقد فى وجودهم حقاً.. على سبيل المثال (أوزير) الذى قد لا تخلو مقبرة أو معبد من إسمه أو إحدى صوره أو تماثيله والذى يرجح ايضًا عند البعض انه (إدريس عليه السلام).. و( إيمحوتب ) العالم والمعمارى والفيلسوف صاحب فكرة إنشاء أول هرم مكتمل فى تاريخ مصر وهو الهرم المدرج بسقارة (هرم زوسر)* ، وهذه الحالة هى أيضاً مماثلة لما كان منتشراً فى العصور الوسيطة فى شتى أنحاء العالم مع القديسين والقديسات بل وحتى يومنا هذا فى مختلف المجتمعات البسيطة، ونحن إذا تخيلنا أنفسنا فى زمن المستقبل وبصدد دخول أثر قديم لا نعرف ماهيته (وهو فى حقيقة الأمر كنيسة لاتينية على سبيل المثال ) كما أننا لانستطيع أن نفهم أبجديات الانسان القديم الذى خلّف هذا الأثر وراءه زاخراً بمختلف أنواع الفنون من تصوير ونحت والتى تجسد شخصيات مقدسة، فإننا لن نلبث وأن نعتقد أن هذا الإنسان القديم كان وثنياً قد تعددت آلهته.. وسوف نكون بذلك قد أخطأنا فى تقديرنا.
والحقيقة أن مثل هذه الاستنتاجات تتوافق أيضاً مع العديد من الأخبار والصور الفكرية التى نقرأ عنها من حين لآخر عن المصريين القدماء فى عاداتهم الحياتية وأقوالهم التى تتشابه بل وأحياناً تتطابق مع نظريات العلم الحديثة جداً والتى قد أنبأنا حتى بها القرآن الكريم فى بعضٍ من إعجازاته.. مما يدل على أن المصريين القدماء فى عظمتهم لم يكن لديهم أى نوع من التضاد بين عقيدتهم وعلمهم .. بل أنه كان هناك تكامل واضح فى الرؤى والأفكار.. كما أنه نظراً لهذا التطابق بين بعض من هذه العادات أوالنظريات المصرية القديمة وتلك المذكورة بالديانات السماوية ومنها حتى الإسلامية يكون مجتمع المصريين القدماء منذ نشأته من أول إن لم يكن أول من أُرسل إليه الوحى الإلهى عن طريق الأنبياء والرسـل ..، ” ولكل أمة رسول” يونس 47، “وكم أرسلنا من نبى فى الأولين“. الزخرف 6. وبالرغم من أن علم الأسطورة أو ال
mythodology
قد تنوعت مدارسه واتجاهاته فى سبيل تفسير أساطير العالم القديم وبالرغم من النظريات الحديثة التى ترى أن الأسطورة يجب أن تؤخذ على أنها كانت فى معظم الأحيان تمثل الحقيقة للإنسان القديم ولم تكن رمزاً لأى من الظواهر الكونية .. على الرغم من ذلك إلا أن الكثير من علماء المصريات فى العصر الحديث يرون أن المصريين القدماء كانوا يدركون أن أساطير الخلق ليست سرداً تاريخياً بقدر ما هى رموز تشير إلى الأسلوب الذى ينبغى أن يدار به العالم (كما جاء فى كتاب الرمز والأسطورة فى مصر القديمة لرندل كلارك) ، وكانت الأساطير المصرية القديمة من أبدع الرؤى التى تجلى بها ارتباط الفكر المصرى القديم بالرمز ارتباطاً عضوياً، وهذا الميل إلى الاتجاه الرمزى فى تفسير الأسطورة المصرية يتوافق تماماً مع العقلية المصرية القديمة الفذة التى استطاعت التوصل للعديد من النظريات العلمية الصحيحة بل وتطبيقها فى شتى مظاهر حياتهم وفنونهم..، فإنه فيما يتعلق بأساطير الخلق بشكل خاص نجد أن العديد من ترتيب الأحداث والرؤية المصرية فى خطوات خلق الكون - والتى قد سبقت ما ورد فى سفر التكوين بالعهد القديم بمئات السنين إن لم يكن آلافها- وما عليه تتقارب كثيراً من أكثر الاكتشافات العلمية حداثة.. مما ينبؤنا أن هؤلاء القوم لم يرتجلوا فى هذه الحقائق أو المعلومات وإنما.. إما قد توصلوا إليها نتيجة لبحثهم الطويل وهذا أمر مستبعد نظراُ لأن تاريخ الأساطير الأولى غايةً فى القدم وليس من المعقول أن يكونوا قد توصلوا إلى تلك الاكتشافات وحدهم فى هذا العمق الزمنى السحيق..، وإما أن يكون هذا التوصل هو بالفعل نتيجة لوحى من السماء عن طريق الأنبياء والرسل..، ولا يوجد أدل على ذلك من نظرية ( الخلق بالكلمة المقدسة ) التى ذكرت فى أقدم الأساطير العالمية عند المصرى القديم.. والتى استبق بها العالم
كله.. وجميع العقائد وخاصةً السماوية وخاتمها الإسلام
” كن فيكون“ . وإن صح هذا الاستنتاج الأخير فإنه من المنطقى إذاً أن يكون هذا الوحى أيضاً قد دلهم على وحدانية الله عز وجل.. ومن ثَم تصبح جميع المعبودات والأشكال الحيوانية التى قدسوها هى بالفعل رموزاً وصفات للإله الواحد أو للمظاهر الكونية المختلفة..وبالتالى تكون منظومة الرموز التى عاش بها المجتمع المصرى القديم هى أشمل وأعم وأكمل منظومة قد طبقت على وجه الأرض .. ربطت فيما بين أركانها بين كل من الإنسان والأرض والدين والعلم والكون من ناحية وبين الإله من ناحية أخرى ولم يكن الرمز عندئذ إلا الوسيلة المقدسة أو العامل أو الوسيط المقدس للربط بين كل هؤلاء..، وإذا كانت هناك فترات طويلة من التدهور والإضمحلال التى أصابت المجتمع المصرى القديم.. وفى أثنائها قد تاه الكثير من المعانى والمفردات القويمة لهذا المعتقد .. فإنه يكفينا أيضاً أن يكون الفكر المصرى القديم قد استطاع أن يحيا مع هذه المنظومة الرائعة لسنوات أخرى من التطور والتقدم مكنته من بناء هذه الحضارة العظيمة التى لم يستطع الزمن أن يخفي آثارها حتى يومنا هذا.وكما ذكر ” جفرى بارندر ” عالم الأديان المقارنة فى النصف الثانى من القرن العشرين فى كتابه (المعتقدات الدينية لدى الشعوب) أن من الأمور الغريبة ، وجود الكثير من علماء المصريات بالقرن العشرين كانوا قد أقروا فى كثير من مؤلفاتهم بأن هناك العديد من الدلائل أو الإشارات التى توحى أو تشيرإلى الوحدانية فى العقيدة المصرية القديمة ..ثم يعودون وينسبون (ماعدا أقلية التى جرأت على التكهن بعكس ذلك مثل عالم يدعى جاردنر أو جانكر، ولقد استضعف هذا الرأى كما أنه فى مواقع أخرى كثيرة قد سلب المصريين أحقيتهم فى كثير من النظريات التى استبقوا بها العالم بشكل واضح) هذه الإشارات إلى إمكانية تواجد عقيدة الوحدانية عند أقلية من حكماء المصريين القدماء وأنه لا يمكن أن تكون هناك إمكانية لتعميم ذلك .. بالرغم من أن الكثير من هذه الإشارات قد وجدت جنباً إلى جنب الرموز الأدبية والتشكيلية والتى قد ترجموها أو فسروها على أنها آلهة متعددة ..، وكمثال على ذلك نجد أن عالم مثل ( فرنسوا ديماس ) كتب يقول فى كتابه (آلهة مصر) عن ” أدب الوصايا الخلقية ، التى يرجع أقدمها إلى الدولة القديمة.. أن
(دريتون)
Doriton
وهو عالم آخر قد أبدى منذ زمن بعيد رأيا بأن تلك التعاليم لم تذكر على الإطلاق إذا صح القول أسماء (جماعة الآلهة) ولكنها تحدثت على الدوام عن الإله ، على وجه عام . فكيف يجب فهم هذا اللفظ ؟ ” ، وينتقل (فرنسوا) إلى سرد تحليلات مختلفة لعلماء آخرين مجملها كان بعيداً عن إمكانية اعتقاد المصرى القديم بشكل عام بالإله الواحد..، وهكذا فى الكثير من المواقع الأخرى ..ويبدو أن مسألة سبق التوحيد بشكله الرسمى على مستوى العالم من الصعب أن يؤول لدى بعض الفئات العنصرية إلا إلى العقيدة اليهودية التى يعدونها أولى الديانات التوحيدية فى التاريخ البشرى.!! (يستكمل) ___________________________________________ * تعنى كلمة (بن بن) هرم..وهرم سقارة سماه المصرى القديم (بن بن يامر) أى هرم سلم الصعود لعرش الإله – وهو مكون من 6 مصاطب رمزاً لعدد أيام الخلق ثم المصطبة السابعة حيث عرش الإله..د/سيد كريم (رائد المخططين) – بمقال (مصريات) د/وسيم السيسى – روزاليوسف – العدد (3742) .………………………….. د.زينب نور – مصر مدرس بكلية الفنون الجميلة – جامعة حلوان بزمالك n_zeinab@hotmail.com

Comments

Popular posts from this blog

عبقرية الرمز القبطى - بحث فى جذوره المصرية

ارحموا عزيزَ فنٍ ذَل